ليس من العدل والإنصاف والأخلاق أن تجلس مع إرهابى يده مخضبة بالدماء، كما لا يمكن للشخص أن يجلس أمام أعين الناس أو من خلفهم مع لص، أو مزور ومعروف عنه سمعة سيئة، لأنه بذلك يورط من يجلسون معه ويشيهم بما قد لا يكون فيهم، فتنخلع عليهم الصفات السيئة لهذا الشخص، ومن الأفضل فى هذه الحالة وتجنباً لعدوى الشبهة، أن تتجنب هذا الشخص أو غيره من أصحاب السمعة السيئة، وفى حالة السياسة فالوضع مطابق لهذه القاعدة، فعندما تجالس السيئين وتصاحبهم تصبح واحداً منهم، وإذا جالست المجرمين من قتلة وتجار مخدرات تصبح واحداً منهم، وإذا جالست وتعاونت مع المزورين للانتخابات أو السفاحين القتلة أو العملاء للخارج والمتورطين فى التجسس والتنسيق مع قوى أجنبية واستدعائها والاستقواء بها، تصبح واحداً منهم، وبالتالى فإن من يتوسط على خلفية تقريب وجهات النظر مع الإرهابيين والقتلة والعملاء فهو اعتراف منه بذلك وتكريس له، باعتباره واحداً منهم.
قد يكون التوسط بين شخصين متخاصمين على خلفية خناقة الأولاد، أو لفظ من هنا أو هناك، جائزاً وواجباً للتقريب بين الناس، والتصالح بينهم، وقد تصعب الأمور فتزداد تعقيداً مع شبكات المصالح، لكن فى السياسة قد يجوز التوسط بين الدول المتجاورة أو المتنازعة مقيداً بالظروف والبيئة الصالحة لذلك، وقبول الأطراف، وشروط انقضاء المدة... إلخ.
وفى الوضع الداخلى المصرى بعد ثورتى «25 يناير، و30 يونيو»، فإن فكرة التصالح مع «الدم والفساد والاستبداد والتزوير واغتصاب حقوق الآخرين والشعب»، تصبح من قبيل لغو الحديث وملء الفراغات السياسية وانتهازية تحقق مصالح كبيرة للمتدخلين فيها، أقلها الحضور فى المشهد السياسى، وأكثرها المناصب والمنافع المادية الشخصية، وكثير ممن حاولوا التدخل للتأثير على المشهد السياسى ولصالح أهل السلطة فى بدايات ثورة 25 يناير 2011 وحتى الآن، وأنا شاهد على هذه الوقائع دون المشاركة أو الانغماس فيها - حققوا مصالح كبرى، بعضهم حافظ على مكاتبه الاستشارية مع الخارج، خصوصاً الأمريكان، وغيرهم حصل على مناصب، وآخرون حصلوا على مقاعد فى البرلمان على رأس قوائم إخوانية، وغيرهم على منافع مادية من خلال عضوية المجالس العليا والقومية!
وقد تعددت المبادرات إبان ثورة 25 يناير، وتقدم الصفوف د. كمال أبوالمجد ليشكل «لجنة الحكماء» كان غرضها الأساسى هو إجهاض الثورة لصالح حسنى مبارك وإدماج جماعة الإخوان فى المشهد، وكان معه مجموعة أطلقت على نفسها «الحكماء»! وأغلبهم من كبار السن المحافظين والانتهازيين بطبيعة الحال، ومن وعى الشعب المصرى الموجود آنذاك فى التحرير، كاد يفتك بهم لولا أن استطعنا إخراجهم دون خسائر تذكر من أرض الميدان.
الآن وبعد ثورة 30 يونيو تعددت المبادرات حتى وصلت إلى عشر، آخرها مرة أخرى يتوسط فيها د. أبوالمجد! المعروف بإخوانيته القديمة!
والسؤال: ما الأهداف الخفية من وراء هذا التدخل السافر والوساطة الفجة؟
فى تقديرى أنها محاولة لإنقاذ الإخوان، وتأجيل العصف بهم أو القضاء على الجماعة، والتسويف حتى يعيدوا تنظيم أنفسهم بالتقاط الأنفاس، وتوقف مؤقت للعنف، وهو إقرار وتصديق على شرعيته فى مجابهة الدولة والشعب، وجعل فكرة الجماعة فكرة حية ومستمرة، وفى الوقت نفسه مشكلة تحتاج إلى حل، وإن الدولة مطالبة بذلك ومسؤولة عن إدماجها فى الحياة السياسية، والاستمرار فى اعتبارها ورقة تسمح بالتدخل الخارجى «الأمريكى والغربى» بعد الاستقواء بهم بصورة علنية سافرة فى ظل علاقات عمالة وخيانة ولا بأس من ذلك!
على الجانب الآخر، فإن الشعب الذى انفجر بالملايين تجاوزت الأربعين مليوناً فى 30 يونيو وما بعدها، طالب وقرر إسقاط الإخوان وحكم المرشد والرئيس الإخوانى، وإعدامهم السياسى تماماً، ولا يقبل بشفاعة أو تدخل أو وساطة لإعادة هؤلاء للمشهد مهما حدث، وإن ما يترتب فى هذا السياق هو خروج عن مطالب الشعب ويعتبر «خيانة عظمى» للشعب وثورته. فهل شاهدتم درجة الهجوم على تهاون الحكومة فى التعامل مع الإخوان حتى تم مؤخراً تنفيذ جزئى لحكم الأمور المستعجلة، واضطر وزير التضامن إلى الاستجابة للضغوط الشعبية بعد أن وضع مع رئيس حكومته وعدد من الوزراء فى خانة «الطابور الخامس» الخائن للثورة والشعب؟!
كفى عبثاً بالشعب وثورته يا أبوالمجد وأمثالك ممن لا هدف لهم سوى إجهاض الثورتين، وهذه شهادة بسقوطكم الشعبى للأبد يرقى للخيانة العظمى، فجماعة الإخوان إرهابية وخرجت من التاريخ للأبد، ولا تضيِّعوا الوقت حتى يمكن إنقاذ الوطن.. لا إنقاذ الإخوان العميلة الخائنة للوطن، واجتثاثهم هو الحل للشعب وثورتيه.. والثورة مستمرة حتى النصر بإذن الله، ولايزال الحوار متصلاً.