
ومع اختلاف جنسياتهم وألوانهم.. تحدثهم مائة لغة.. وأكثر من آلاف اللهجات.. وتباينهم باختلاف أعمارهم، أهوائهم، أحجامهم ولكنهم يجتمعون جميعا على كلمة سواء وهدف واحد ورغبة مشتركة.. تتوحد الحناجر وتعلو أصوات الحق بجملة واحدة "لبيك اللهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والمللك.. لا شريك لك لبيك".
هذه المشاعر الجياشة القوية التي تهتز لها الأبدان.. وتمتلئي المقل بالدمع خشوعا وتسليما بعظمة وقدره الله.. يسعى جميع المسلمين على وجه الأرض.. الكل ادخر وجمع أمواله خلال سنوات العمر من أجل أن يقف بين يدي الله خاشعا تائبا.. يبغي المغفرة ويرجو الصفح والغفران.. والكثير رغم محاولاته المستميتة لتأدية هذه الفريضة الروحانية، إلا أنه لم يكتب له تحقيق هذة الرغبة.
ومن بين هؤلاء الأشخاص التي سعت وعقدت النية والزعم على الحج والتمتع بطقوسه.. ولم يحالفها الحظ.. المطربة ليلى مراد "قيثارة الطرب العربي"، فبعد إشهار إسلامها عام 1946، أرادت أن تتمعن أكثر في الدين الإسلامي وتصل إلى معانيه السمحة وتسعد وتكمل الفرائض الخمس، ففي عام 1953 أثناء تصويرها فيلم "ليلى بنت الأكابر" من إخراج وإنتاج وبطولة الفنان أنور وجدي، رغبت ليلي مراد في أداء فريضة الحج، ولكن إدارة استوديو مصر رفضت سفرها، وطلبت منها الانتهاء أولا من تصوير الفيلم خلال أسبوعين لارتباطها بعقد بمنتج آخر.
اضطرت ليلى مراد أن تبقى بالقاهرة رغما عنها وهى حزينة.. لم تستسلم أو تخضع للظروف التي فرضت عليها، فأرادت الفنانة استشعار الجو الايماني المرتبط بتلك الفريضة ولكن بطريقتها الخاصة، فما كان منها إلى أن طلبت من مؤلف لفيلم وكاتب السناريو أبو السعود الإبياري أن يكتب لها أغنية للحجاج وأن تدخل في سياق الفيلم، حيث كان من المقرر ضمن أحداث الفيلم أن يسافر جدها الباشا االذي قام بدوره الفنان زكي رستم الأراضي المقدسة لأداء الفريضة.
وقد كان وكتبت أغنية "يا رايحين للنبي الغالي.. هنيا لكم.. وعقبالي"، ولحنها المبدع محمد السنباطي بطلب شخصي من ليلى مراد، والتي أصبحت من أهم الموروثات الكلاسكية الدينية في مكتبة السينما العربية.
ولم يكتب القدر لليلى مراد أن تؤدي الفريضة ولم تكن على موعد مع زيارة الحبيب المصطفى، حيث اعتزلت الفن عام 1955، وفضلت البعد عن الأضواء والتفرغ لتربية أولادها أشرف وجيه أباظة، نجل الصاغ طيار وعضو مجلس قيادة الثورة زكي فطين عبد الوهاب، نجل المخرج فطين عبد الوهاب، توالت عليها الأزمات الصحية وتكررت الإصابات وأصابها التعب والوهن في "ركبتها"، زاد وزنها وأصبحت ثقيلة الحركة، ولم تستطع قيثارة الطرب أداء فريضة الحج ولكنها كانت حريصة على أداء فريضة الصلاة في مواعيدها إلى أن رحلت عن دنيانا في 21 نوفمبر من عام 1995 عن عمر ناهز 67 عاما.