كَانَت الحيلة الَّتِى لجأ إليها عَمْرو بْن الْعَاصِ واضحة، وَهِىَ شرط حكم مصر مقابل الولاء والطاعة لدرجة أن المؤرخين المعاصرين يصفونها بأنها كَانَت لعبًا على المكشوف، فلم يكُن هُنَاك أى خفاء ولا لف ولا دوران. وكان عَمْرو بْن الْعَاصِ واضحا وَهُوَ يَقُول لمُعَاوِيَة بْن أَبِى سُفْيَان: «أترى أنَّنَا خالفنا عليًّا لفضل منَّا عَلَيْهِ؟ والله إن هِىَ إلا الدنيا نتكالب عليها، وايم الله لتَقطَعَنَّ لِى قطعة من دنياك وإلا لنابذتُك عليها». كَانَت المعاملة بين الرَّجُلين واضحة تمامًا وكان حظ عَمْرو بْن الْعَاصِ فِى أولها أكبر من حظ مُعَاوِيَةَ بْن أَبِى سُفْيَان الَّذِى كَانَ يمنح بْن العاص حكم مصر وَهُوَ لاَ يملك شيئًا إِلَى الشام فَضْلاً عَنْ أن عَمْرو بْن الْعَاصِ لم يفعل شيئًا بعد، لكن عَمْرو بْن الْعَاصِ كَانَ يعلم يقينًا أن الانتصار معناه حصوله على مصر، وفى المقابل شارك عَمْرو بْن الْعَاصِ -بأن لم يكُن هُوَ الَّذِى أعلن- فِى وضع مُعَاوِيَةَ خليفةً للمسلمين وأميرًا للمؤمنين فِى مشهد التحكيم. المدهش أن عبد الرحمن بْن عوف الَّذِى كَانَ أحد المرشحين الستة لتولى الخِلاَفَة بعد سيدنا عُمَر بْن الْخَطَّابِ والَّذِى كَانَ -ابن عوف لاَ الخطاب- رئيسًا لمجلس الشورى تَقْرِيبًا هُوَ الَّذِى أعلن ولاية عُثْمَان بْن عَفَّانَ وأعلن مبايعته، ونفس القصة تتكرر فِى التحكيم ما بين مُعَاوِيَة بْن أَبِى سُفْيَان وعلىِّ بْن أَبِى طالب، حَيْثُ كَانَ أبو موسى الأشعرى مندوب علىِّ بْن أَبِى طالب رغم أنه لم يكُن يريده، لكن أصحاب علىٍّ وأشياعه فرضوه عَلَيْهِ، وكان عَمْرو بْن الْعَاصِ مندوبَ مُعَاوِيَة بْن أَبِى سُفْيَان، ذهب المندوبان، وتحكى لنا كتب التَّارِيخ أنه عِنْدَمَا جلس عَمْرو بْن الْعَاصِ وأبو موسى الأشعرى منفردين كَانَ رأى أبى موسى الأشعرى أن يخلعا الاثنين (عليًّا ومُعَاوِيَة) وأن يختارا شخصًا آخر، وكان الأشعرى يفضِّل عَبْد اللهِ بْن عُمَر بْن الْخَطَّابِ، أما عَمْرو بْن الْعَاصِ فكان يعرف من البداية مَاذَا يريد، فإما أن يولى بْن أَبِى سفيان وإما أن يولى ابنه عَبْد اللهِ بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ، ورفض أبو موسى الأشعرى أن يتولى عَبْد اللهِ بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ الخِلاَفَة، لتورُّطه الشديد فِى المَعْرَكَة، وكان ما كَانَ فِى مشهد التحكيم من خروج أبو موسى الأشعرى بناء على تقديم عَمْرو بْن الْعَاصِ لَهُ وإعلانه خلع علىِّ بْن أَبِى طالب، فخرج عَمْرو بْن الْعَاصِ قائلا إنه يثبِّت صاحبه مُعَاوِيَة بْن أَبِى سُفْيَان. هَذِهِ اللحظات فرقت كثيرا فِى تاريخ الأمة الإِسْلاَمية. هَذَا هُوَ الداهية عَمْرو بْن الْعَاصِ.
الدهاة الأربعة «4»
مقالات -
إبراهيم عيسى