قدم عَمْرو بْن الْعَاصِ على مُعَاوِيَة فساومه على رضاه. اشترط عَلَيْهِ لكى يكون فِى فسطاطه ولم يقنع بأقل من ولاية مصر مدى الحياة. كَانَ ابْن العاص واليا على مصر وعزله عُثْمَان بْن عَفَّانَ وولى عَبْد اللهِ بْن سَعْدِ بْنِ أبى سرح واشترط عَمْرو بْن الْعَاصِ ليقف بجانب المطالبين بدم عُثْمَان بْن عَفَّانَ أن يحصل على مصر، وإِلَى الأبد. عِنْدَمَا ذهب عَمْرو بْن الْعَاصِ ليعقد هَذِهِ الصفقة مع مُعَاوِيَة بْن أَبِى سُفْيَان، تلكأ الأخير ولم يستجب سريعا فدخل عَلَيْهِ عُتبة بْن أَبِى سفيان وقال لَهُ: «أما ترضى أن تشترى عمرًا بمصر؟ إن صفت لَكَ لاَ تُغلَب على الشام أبدا»، فلما سمع مُعَاوِيَة قول عتبة أرسل إِلَى عَمْرو بْن الْعَاصِ وأعطاه مصر وكتب فِى أسفل الكتاب «ولا يُنقَض شرط طاعة» فكتب عَمْرو بْن الْعَاصِ «ولا تُنقَض طاعة شرط»، وعلى هَذَا الأساس خرج عَمْرو بْن الْعَاصِ من صفقته مع مُعَاوِيَة بْن أَبِى سُفْيَان غالبًا غير مغلوب. وكان عَمْرو بْن الْعَاصِ واضحا جدًّا فِى هدفه، وكان مُعَاوِيَة يعى هَذَا جدًّا ووافق بعد ممانعة واستعصاء، لكن فِى النِّهَايَة حدث الاتفاق على الشرط، وَهُوَ حكم عَمْرو بْن الْعَاصِ لمصر مقابل طاعته، لدرجة أن مُعَاوِيَة بْن أَبِى سُفْيَان -كما تحكى كتب التَّارِيخ- عقد لعَمْرو بْن الْعَاصِ أربع ألوية عسكرية، لواء لَهُ ولواء لكل من ولديه ولواء لغلامه وردان. فِى هَذِهِ المَعْرَكَة كَانَ عَبْد اللهِ بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ من أنصار أن يعتزل أبوه هَذِهِ الفتنة أو ينتمى إِلَى علىّ بْن أَبِى طالب، لكنه التزم أباه، ويرجع ذَلِكَ إِلَى أن النَّبِىّ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ قَالَ لَهُ فِى إحدى مرات المغاضبة مع أبيه «الزم أباك»، فاعتبر عَبْد اللهِ أن هَذَا أمر نبوى يحق لَهُ أن يلتزم بِهِ مدى الحياة. ووقف عَبْد اللهِ بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ مع أبيه عَمْرو بْن الْعَاصِ رغم أن هواه الشَّخْصى مع علىّ بْن أَبِى طالب. لذَلِكَ تحكى كتب التَّارِيخ أنه عِنْدَمَا ذهب إِلَى المَدِينَة ودخل إِلَى الجامع فلقى الحسين بْن علىّ بكى وقال للناس إنه يخجل من مقابلة الحسين بْن علىّ، فقال لَهُ الحسين: «إذا كنت تخجل من لقائى ومِن قتل أبى والحرب ضده فلمَاذَا حاربتنا؟»، فحكى لَهُ عَبْد اللهِ بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ الحديث النَبَوِىّ، فسامحه الحسين بْن علىّ، وكانت بينهما حوارات ومصاحبة، لكن المفارَقة أن عَبْد اللهِ بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ الَّذِى كَانَ ضد الحرب على علىّ بْن أَبِى طالب وكان من أنصاره لكن التزم والدَه كما أمره النَّبِىّ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، هُوَ الَّذِى أصبح واليًا على مصر بعد وفاة أبيه عَمْرو بْن الْعَاصِ.
إبراهيم عيسى يكتب: الدُّهاة الأربعة «3»
مقالات -
إبراهيم عيسى