يُسرِف المصريون فى استخدام «أفعل» التفضيل بشكل كبير عن أى شعب فى العالم.
ويمتدّ ذلك الاستخدام فى كل مجالات الحياة.. ووصل الأمر إلى الدستور الجديد أو فى المواد التى يجرى ترقيعها الآن فى دستور الإخوان الطائفى.
فها هو ذا أحد أعضاء لجنة الخمسين يبشرنا بأفعل التفضيل بأن الذى يتم كتابته الآن ويتعرض لولادة متعثرة لتهافُت كل الفئات على موقعها فيه.. بأنه «الأفضل فى تاريخ مصر».. لا فُضّ فوه!
ولعل هذا يذكّرنا بأعضاء من اللجنة التأسيسية الإخوانية بقيادة المستشار الغريانى الذين وصفوا دستورهم الطائفى بأنه أفضل دستور فى العالم.. رغم أن الجميع يعرف أنه تم إنجازه بليل وبعد فرض مواد خاصة لترضية فئات معينة.. وبات رئاسة تلك اللجنة الباطلة كأنهم مجموعة من الترزية الذين ينفذون رغبات صاحب المحل (باعتبار أن مصر تحولت إلى سوبرماركت)، الذى امتلكه جماعة الإخوان.
ناهيك بالمواد التى تم وضعها لمجاملة تيارات متحالفة.
وكان دستورا بكل المقاييس سيئا.. ويدعو إلى الطائفية بشكل واضح ويؤسس لدولة فاشية يسيطر عليها الإخوان.
ومع هذا لم ينكسفوا على دمهم ليصفوه فى النهاية بأنه أفضل دستور فى العالم.
وتأتى ثورة 30 يونيو لتقتلع الإخوان ومندوبهم فى الرئاسة محمد مرسى الذى لم يكن له فى التور ولا فى الطحين وإنما ينفذ تعليمات خيرت الشاطر ومكتب إرشاد الجماعة الذى كان أيضا يسير على تعليمات الشاطر، فلم يكن يهمهم دستور ولا يحزنون.. وإنما كانوا يروّجون ظلما وبهتانا بأنهم يسيرون بالشكل الديمقراطى.. ومن ثم أطلق رجالهم والمحسوبون عليهم أنه أفضل دستور فى العالم.
لكن الشعب رفضه فى ثورته على الإخوان.
ويبدو أننا لم نتعلم الدرس.
وما زلنا نستخدم نفس الأساليب.
ويأتى من يذكرنا بأن الدستور الذى ما زال يثير جدلا كبيرا بين مؤسسات الدولة المختلفة بل وبين الأحزاب.. بل وبين الشخصيات من أعضاء الخمسين أنفسهم.. بأنه الأفضل فى تاريخ مصر!
فكيف يكون الأفضل وهناك مقاومة كبيرة لعدم محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى؟
وكيف يكون الأفضل.. ويثير نزاعات واشتباكات بين الهيئات القضائية المختلفة.. وربما بشكل لن يؤدى فى النهاية إلى استقلال قضاء حقيقى.. وعودة إلى العهود الماضية فى تغوُّل السلطة التنفيذية على السلطة القضائية.
وكيف يكون الأفضل ويجرى الآن استنساخ مؤسسات لا يريدها الشعب فى الدستور.. مثل مجلس الشورى الذى يريدونه مجلسا للشيوخ كأن تغيير الاسم هو الذى يمرره وقد فعله الإخوان قبلهم وإعادة لأمر فى نفس يعقوب لاعتبار عضويته مكافأة لبعض الشخصيات وربما رئاسته أيضا (!)، أو لعله أيضا لتطويل الفترة الانتقالية إلى حين حسم رئاسة الدولة.. ولا يهم هنا الأموال الطائلة التى تُصرَف عليه.
ولعل من قال إن الدستور الجديد أو الترقيعات الدستورية هو من يؤيد الآن عودة مجلس الشورى!
فربما بعودة الشورى الذى لفظه الشعب لأنه يذكرنا باستبداد وديكتاتورية نظام مبارك (رغم وجود الشورى).. وفاشية جماعة الإخوان يكون هو الدستور الأفضل فى تاريخ مصر!
ألم نتعلم بعد مما جرى فى تاريخنا القريب، وأنه ليس هناك الأفضل؟
حتى ما جرى فى ثورة 25 يناير.. أن المصريين أخرجوا أفضل ما لديهم.. ثم مع الأيام وسرقة الثورة ليُخرِج المصريون أسوأ ما لديهم!
فبالله عليكم، كفاية علينا بقى حكاية الأفضل وعلينا أن نتعلم جيدًا.