طالعت باهتمام بالغ مشروع قانون العدالة الانتقالية الذى أعده المستشار عادل ماجد، نائب رئيس محكمة النقض، بجريدة «المصرى اليوم» بتاريخ الثلاثاء الموافق 1/10/2013 بحسب أنه يلبى تطلعات المجتمع المصرى فى هذه الفترة الانتقالية، خاصة فيما يتعلق بتحقيق القصاص العادل ممن تلوثت أيديهم بدماء المصريين، مع العمل فى الوقت ذاته على تحقيق التعايش السلمى فى المجتمع تمهيداً لمصالحة قانونية محددة الخطوات تتفق مع رغبات المجتمع. ويحسب لجريدة «المصرى اليوم» المساهمة فى نشر هذا المشروع لزيادة الوعى القانونى بالموضوعات التى تمثل اهتمام الرأى العام المصرى وذلك كعادتها دائماً.
وميزة هذا المشروع أنه وضع لأول مرة تعريفاً قانونياً لمفهوم العدالة الانتقالية بالتطبيق على الوضع فى مصر، فعرفها بأنها مجموعة التدابير والإجراءات القضائية وغير القضائية يتم الاضطلاع بها خلال مرحلة ما بعد ثورتى الخامس والعشرين من يناير 2011 والثلاثين من يونيو 2013 لكشف وتوثيق والتصدى لانتهاكات حقوق الإنسان التى سبقت وعاصرت وتلت الثورتين، محدداً المرحلة الانتقالية تحديداً دقيقاً بأنها الفترة الزمنية التالية لسقوط النظام الأسبق فى 18 فبراير 2011 مروراً بتولى النظام السابق السلطة وسقوطه فى 3 يوليو 2013 وحتى تاريخ انتهاء العمل بقانون العدالة الانتقالية.
وحرص المشروع على إنشاء هيئة مستقلة ومحايدة لتطبيق آليات العدالة الانتقالية هى مفوضية العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية محدداً تشكيلها واختصاصاتها؛ بحيث تضم فى عضويتها قضاة وشخصيات عامة وممثلين للأزهر الشريف والكنيسة والمجلس القومى للمرأة، وشباب الثورة ومصابيها ومنظمات المجتمع المدنى.
وحدد مشروع القانون اختصاصات المفوضية فى تقصى وكشف وتوثيق الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وغيرها من الجرائم المنصوص عليها فى مشروع هذا القانون التى وقعت من أول أكتوبر 1981، مروراً بأحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير وموجتها الثانية فى 30 يونيو 2013 وحتى تاريخ انتهاء آخر أحداث العنف المعروضة على المفوضية. وتشكل المفوضية من ثلاث لجان فرعية هى: لجنة تقصى وكشف الحقائق ولجنة المحاسبة والعفو ولجنة جبر أضرار الضحايا. وقد حدد مشروع القانون اختصاصات لجنة تقصى وكشف الحقائق والإجراءات أمامها لتحقيق أهدافها المشار إليها فى مشروع القانون. كما نظم مشروع القانون اختصاصات لجنة المحاسبة والعفو والإجراءات أمامها وحقوق وضمانات الضحايا وتشجيع الجناة على كشف الحقائق وشروط وحالات منحهم العفو.
ومن أهم ما ورد فى مشروع هذا القانون هو إرساء المسؤولية الجنائية للقادة والرؤساء على أساس مسؤولية القائد أو الرئيس عما يرتكبه تابعوه من جرائم فى حق المدنيين طالما كانت له سيطرة فعلية على تابعيه وعلم بارتكابهم تلك الجرائم ولم يتدخل لمنعها أو محاسبتهم عنها، أو نتيجة عدم ممارسة القائد أو الرئيس سيطرته على تابعيه بطريقة سليمة، الأمر الذى يشكل رادعاً لكل من يتولى مركزاً قيادياً مدنياً كان أو عسكرياً عن قتل أبناء الشعب المصرى أو التحريض على ذلك.
ومن مميزات هذا المشروع أيضاً تخصيص فصل كامل لجبر أضرار الضحايا عن طريق اعتماد لجنة جبر أضرار الضحايا التدابير اللازمة لتقديم المساعدة والخدمات لهؤلاء الضحايا، وإنشاء صندوق تعويض الضحايا يتولى دفع التعويضات وتقديم المساعدات المادية لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما يفصح عن تبنيه مقاربة قائمة على حماية حقوق الإنسان.
وقد أكد المستشار عادل ماجد أن تطبيق مبادئ وآليات العدالة الانتقالية وتحقيق المصالحة الوطنية ومنع تكرار انتهاكات حقوق الإنسان ضد أبناء الشعب المصرى تستلزم مشاركة أطياف المجتمع فى مناقشة مكونات وأهداف قانون العدالة الانتقالية عن طريق طرح مشروع القانون للحوار المجتمعى، وهو اتجاه محمود فى هذا النوع من القوانين التى يجب أن تلبى تطلعات واحتياجات المجتمع.
وقد تضمن مشروع القانون أيضاً النص على مجموعة من الجرائم ووضع العقوبات المقررة لها لضمان تنفيذ أحكام هذا المشروع، ومن بينها: العقاب على استعمال القوة أو العنف أو التهديد لحمل شخص على الإدلاء بشهادة زور أمام مفوضية العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية أو إحدى لجانها، أو لحمل أعضاء المفوضية أو لجانها الفرعية أو العاملين بها بغير حق على أداء عمل من الأعمال المختصين بها أو الامتناع عنه. فضلاً عن عدم انقضاء الدعوى الجنائية الناشئة عن أى من الجرائم الجسيمة المنصوص عليها فى مشروع هذا القانون بمضى المدة، بما يمكن المفوضية من الاضطلاع بمهامها على النحو الأكمل.
وقد تبين لنا من مطالعة مشروع هذا القانون أنه قد جاء مشروعاً متكاملاً ومتناسقاً فى مجال العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية يتميز بما يلى: أنه ينيط تطبيق آليات العدالة الانتقالية من خلال جهة محايدة مستقلة، ويوفر آليات ناجزة لكشف الحقيقة، محققاً التوازن بين متطلبات المصالحة وأوليات القصاص، متداركاً قصور القانون الجنائى فى محاكمة كبار المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، مولياً اهتماماً خاصاً بحقوق الضحايا.
ومن مزايا هذا المشروع أيضاً أنه يسهم فى كشف انتهاكات حقوق الإنسان ومعرفة حقيقتها وأسبابها والمسؤولين عنها والقصاص العادل لضحايا هذه الانتهاكات وجبر الأضرار التى لحقت بهم وذويهم ومحاربة سياسة الإفلات من العقاب وأيضاً إصلاح مؤسسات الدولة، واضعاً شروط وقواعد محددة لتحقيق آلية العفو محيطاً الإجراءات بسياج من المشروعية القانونية؛ بما يعلى حقوق الإنسان وتطبيق مبادئ سيادة القانون؛ الأمر الذى يدعونا إلى تأييد معدّ المشروع فى مطالبته بسرعة عرضه للحوار المجتمعى بمشاركة مؤسسات المجتمع المدنى والمؤسسات الإعلامية تمهيداً لاستصداره فى أقرب وقت ممكن. ويحمد لنادى قضاة مصر مبادرته بعقد ندوة تخصص لمناقشة الجوانب المختلفة لهذا المشروع يوم الثلاثاء 8 أكتوبر 2013، وهى مبادرة تظهر تفاعل القائمين على نادى القضاة مع متطلبات أبناء هذا الشعب العظيم.
قاض.. رئيس نيابة النقض
عضو إدارة حقوق الإنسان
بوزارة العدل