بعد أن أنهكه التجوال فى المولد، وبعد أن فشل فى الوصول إلى مقام السيدة زينب وجد نفسه يجلس على مقربة من إحدى خيام الخدمة التى تقدم الشاى والطعام لرواد المولد، كان الرجل الجالس أمام موقد البوتاجاز متوليا مسؤولية تقديم واجب الضيافة للرواد يجلس وحيدا مبتسما، التقت عيناهما فدعاه للدخول.
دخل وجلس صامتا يشرب الشاى، قال له رجل الخدمة «تعرف ابن عطاء الله قال إيه؟»، هز الضيف رأسه نفيا، فقال رجل الخدمة: «ربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك»، لم يفهم الضيف، فقال الرجل: «ربما أعطاك الصحة الوافرة فاستخدمتها فى المعصية فمنعك عن طاعته، وربما جعل صحتك على القد فوقاك شر نفسك التى قد تحدثك بالانفلات». قال الضيف: «فلتكن الصحة وليكن ستر الله إذا استخدمتها فى المعصية»، قال رجل الخدمة: «من يعرفون الله يا بنىّ لا يطلبون منه أن يسترهم فى المعاصى، ولكنهم يطلبون منه أن يسترهم عن المعاصى».
قال الضيف: «لعلك رجل زاهد»، فقال رجل الخدمة: «وهل تعرف ما الزهد؟»، قال الضيف: «إذا منحنى الله شكرت وإذا منع عنى صبرت»، قال له رجل الخدمة: «سأقول لك قول الأكابر: ما تقوله هو حال البهائم.. الزهد يا بنىّ أن يمنع عنك الله فتشكر ويمنحك الله فتؤثِر الآخرين على نفسك فى هذه النعمة».
قال الضيف: «لعلك شيخ من الأولياء»، قال رجل الخدمة مندهشا: «سيدى المرسى أبو العباس يقول إن معرفة الشيخ أصعب من معرفة الله، فلا تتسرع أبدا فى تنصيب أحد شيخا أو وليا»، قال الضيف: «ولكنك فى حال من الصفاء فماذا فعلت حتى وصلت إليه؟ قال رجل الخدمة: «لا أعرف»، قال الضيف: «لعل شكرك لله لا ينقطع»، قال رجل الخدمة: «يقول الجنيد: الشكر أن لا يُعصى الله بنعمة»، قال الضيف: «أن لا تشعر بالحزن أبدا»، قال رجل الخدمة: «أتبع قاعدة قديمة تقول ليقلّ ما تفرح به يقلّ ما تحزن عليه».
قال الضيف: «أنت تعيش خارج العالم وتصبر نفسك بكلمات متقشفة، الدنيا مليئة بالمتع لكنك تخاف أن تقترب منها»، ابتسم رجل الخدمة قائلا: «أقول لك ما رد به من هم فى مثل حالى على هذا الاتهام.. والله نحن فى لذة لو عرفها الملوك لقاتلونا عليها بالسيوف»، قال الضيف وهو يشيح وجهه بعيدا: «مجذوب». أعاد رجل الخدمة ملء الكوب للضيف وهو يقول: «من ذاق عرف يا بنىّ.. من ذاق عرف».