فى صدر الإسلام كان هناك أربعة من دهاة العرب، (والداهية هو الشَّخص شديد الذكاء والمكر، والمفارقة أن الكلمة تعنى أيضًا المصيبة الكبيرة، فكأن الرجل الداهية هو الرجل المصيبة على خصومه)، وهم عمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومعاوية بن أبى سفيان، وزياد بن أبيه.
هؤلاء الأربعة هم الدهاة الأربعة، فعمرو بن العاص داهية بالبديهة، بمعنى سرعة بديهته، فهو قادر على الوصول إلى رأى وقناعة وتصرف وسلوك ولفظة بسرعة عالية جدا. أما المغيرة بن شعبة فداهية فى حل المعضلات.
أما زياد بن أبيه فداهية فى كل صغيرة وكبيرة، أى دهاء شامل كامل من مجاميعه. أما معاوية فداهية فى الرويّة والصبر حتى القنص، هو يمثل حالة الصياد. الرأى الذى لا شك فيه أنهم جميعا من الدهاة على اختلاف نوع الدهاء، لكن الدهاة الثلاثة ابن العاص وابن شعبة وابن أبيه يقودهم دهاؤهم إلى الداهية الرابع معاوية بن أبى سفيان، بحيث إنه فى لحظة الصراع السياسىّ الشديد والدموى الرهيب بين على ومعاوية، استطاعوا أن يسيروا سيرهم إلى معاوية فانضموا إلى الداهية الرابع،
وكان مطلبا بعيد المنال عليهم جميعا، أن يطالب أى منهم بالخلافة فى مواجهة علىّ بن أبى طالب، لم تكن لأحد منهم فرصة الوصول إلى إمارة المسلمين إلا معاوية بن أبى سفيان، فانضموا إليه، لم يكن أحدهم واليًا على أى من الأمصار والولايات فى ما عدا زياد بن أبيه الذى كان واليًا على أقاليم فى فارس، وكان الجميع يخشى بأسه لما عنده من المال والجند، لكن زياد ابن أبيه كان مغمور النسب، لأن أبا سفيان لم يعترف ببنوّته، رغم أنه أبوه الحقيقى، فأطلق عليه زياد بن أبيه، وفى ما بعد اعترف معاوية بن أبى سفيان بأن زيادًا أخوه، وأنه ابن أبى سفيان، وذلك فى لعبة السياسة والدهاء.
فكان هذا الاعتراف، لكنه حتى تلك اللحظة كان لا يزال زياد بن أبيه، ولكن هذا لا يمنعنا من الاعتراف بعظمة وقوة دور زياد بن أبيه، ومن ثمّ لم يكن هو الوالى الوحيد ضد معاوية بن أبى سفيان، لكن لأنه مغمور النسب، وليست له مكانة معاوية فى أهله، فلم يكن يطمح للخلافة فى وجود طامح آخر فى مواجهة علىّ بن أبى طالب.