فى حواره الشهير مع «الواشنطن بوست» فى يوليو الماضى، قال الفريق السيسى إن شعب مصر لن ينسى موقف أوباما من ثورته التى أطاحت بحكم الإخوان فى 30 يونيو.
فى حواره الأخير مع الزميل ياسر رزق فى «المصرى اليوم» كان الفريق السيسى هادئا للغاية وهو يقول إن العلاقات مع أمريكا تقوم على المصالح المتبادلة، وإنه إذا كانت واشنطن تجد مشكلة «قانونية» فى التعامل مع المساعدات بعد 30 يونيو، فإنه كلما تقدم الوقت سوف تجد أن ما حدث فى مصر كان إرادة شعبية وأن المؤسسة العسكرية لم تقفز على السلطة، ولكنها انحازت لإرادة الشعب.
الفارق بين لهجة الحوارين هو ما تحقق على أرض الواقع، حيث فشلت كل الرهانات الأمريكية على «الإخوان» وانهارت كل محاولات زرع الفتنة أو إثارة الفوضى فى مصر، ووقف الشعب وراء جيشه وهو يخوض المعركة لاستئصال الإرهاب، وفى الوقت نفسه بدأ الاقتصاد يتعافى مع مساندة بالغة القوة من الأشقاء العرب، خصوصا فى الإمارات والسعودية.
ما تحقق على أرض الواقع كان وراء الثقة التى بدت فى حديث الفريق السيسى، وكان -بعد ذلك- وراء القرار الأمريكى عن التعليق الجزئى لمساعداتها لمصر، الذى تضمن الامتناع عن تسليم أسلحة أساسية من دبابات ومروحيات وطائرات مقاتلة. وكم كان مثيرا للاهتمام أن يصدر هذا القرار فى أعقاب الفشل الإخوانى الأخير فى إثارة الفوضى فى أثناء احتفالات أكتوبر، وما صاحبه من هجمات إرهابية امتدت من سيناء وحتى القاهرة حيث كان الهجوم على محطة الأقمار الصناعية!! ثم مع تحديد موعد محاكمة المعزول مرسى وبدء إجراءات حل جمعية الإخوان وحظر نشاط الجماعة!!
وبداية.. فإن القرار الأمريكى يطمئننا على أننا نسير فى الطريق الصحيح!! ودون الدخول فى الجدل حول الحديث الذى لم يعد يقنع أحدا عن اهتمام أمريكا بالديمقراطية التى ترى فى «الإخوان» وامتداداتهم فى المنطقة رمزا لها (!!) فإننا ندرك جيدا أننا لو كنا نسمع ونطيع تعليمات واشنطن، لما كان هذا القرار الذى تتصور أنه عقاب لنا، بينما أى عاقل يعرف أن واشنطن نفسها هى أول الخاسرين من قرارها!!
تغضب واشنطن لأن مشروعها لإعادة صياغة المنطقة قد سقط مع سقوط حكم الإخوان. وتغضب لأن كل جهودها لتعطيل إرادة الشعب الذى أنهى خطر الفاشية الذى كان يقود مصر بكل ثبات نحو حرب أهلية يبدو أن «الأصدقاء» فى واشنطن كانوا ينتظرونها بفارغ صبر!!
وتغضب واشنطن لأن كل جهودها لحصار الثورة بعد 30 يونيو قد فشلت، وكل ضغوطها للإبقاء على «الإخوان» لاعبا أساسيا يمكن استثماره من جانبها مرة أخرى فى المستقبل القريب أو البعيد قد انتهت بانكشاف الإخوان كفصيل إرهابى يحاول إحراق مصر، ويجاهر علنا بالتآمر ضد الشعب والجيش، ويتسول التدخل الأجنبى بلا وازع من دين أو انتماء لوطن.
تعرف واشنطن جيدا أن قرارها لا يساوى شيئا.. قد يسعد «الإخوان» ولكنه لن ينقذهم من مصيرهم المحتوم. وقد يفتح شهية الإرهابيين لينشطوا فى جرائمهم، ولكنه سوف يجعلنا أكثر تصميما على سحق كل هذه الجماعات لتطهير الوطن من دنسها. وقد يسبب القرار بعض المشكلات الصغيرة أمامنا، ولكنه يحسم أمورا كثيرة فى علاقاتنا مع أمريكا، ويفتح أبواب المراجعة لمجمل سياساتنا الخارجية معها ومع باقى دول العالم.
نعرف الآن أن قرارا من جانبنا بالاستغناء عن المعونة الأمريكية لم يعد منه مفر. ونعرف أن برامج تسليح جيشنا لا بد أن تتغير. ونعرف أن الأمر فى واشنطن لا علاقة له بالديمقراطية، بل بالرهان الأمريكى على جماعات إرهابية لتنفيذ مخططاتها فى مصر والمنطقة كلها.. ونعرف أن كل خطوة نخطوها فى تثبيت أقدامنا وإنجاح ثورتنا وبناء ديمقراطيتنا لن تسعد من وقفوا وراء فاشية «الإخوان» وفى مقدمتهم إدارة السيد أوباما، التى يبدو أنها ما زالت مصرة على تجاهل كثير مما لا ينبغى تجاهله فى العلاقة مع مصر بعد الثورة.
يعرف أوباما أن بلاده هى المستفيد الأكبر من المعونة التى تقدمها بيد وتستعيدها باليد الأخرى. ويتجاهل أوباما حقيقة أن قرار مصر بعد الثورة لن يكون إلا فى يد أبنائها، وأن ما يقدمه من دعم لـ«الإخوان» وما يمارسه من ضغوط على مصر لن يكون لها أثر إلا أن تبحث واشنطن عن بديل للتسهيلات العسكرية فى المرور بالقناة، وأن ترتب ضمانات جديدة لمصالحها فى المنطقة، وأن ترتب أوضاعها مع جماعات الإرهاب التى أرادت أن تحكم بها المنطقة فأسقطتها الشعوب، وأن تتذكر كل ذلك وهى تعيد على نفسها السؤال القديم الجديد: لماذا يكرهوننا؟!
الحقيقة أننا نحن الذين نقدم أكبر المعونة لسياسة أمريكا فى المنطقة.. وقد آن الأوان لكى نقطع هذه المعونة!!