هذا حديث بين مريض ومرضى، بين كاتب أصاب المرض أجزاء من جسمه، فأعجزه عن الحركة وأرقده الفراش، وبين جماعة من البشر فتك المرض بعقولهم ونفوسهم فانقلبوا على جيش بلدهم يمزقونه، وعلى مؤسساته يضربونها بالقذائف الصاروخية، وعلى مواطنيهم يقتلونهم بعد أن وجهوا لهم تهمة الكفر. لست بصدد كتابة مقال، أنا فقط أريد أن أتكلم معهم بعد أن قرأت منشورهم فى جريدة الحياة الأربعاء 9 أكتوبر 2013 وأفزعنى فيه تلك الثقة بالنفس وذلك اليقين، أضف إلى ذلك كمية الشر التى تصاعدت من كلماتهم، وكأنهم جماعة من الجحيم أتيحت لها فرصة الخروج فهبطوا على الأرض لينتقموا من أهلها.
هذه الجماعة التى تطلق على نفسها اسم « كتائب الفرقان» أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم بقذيفتى «أر بى جى» على محطة القمر الاصطناعى فى القاهرة منذ أسبوع تقريبا، وتوعدت الإعلام بـ« القضاء عليه» وقالت فى بيان إن العملية هدفها أن « يعلم إعلام الكفر أننا قادمون وعلى وشك القضاء عليه، ولنرسم لجميع إخواننا خطوات واضحة يسيرة فى طريق الجهاد يسهل محاكاتها والسير حذوها» هذه هى المرة الأولى التى يتهم فيها الإعلام فى مصر بأنه إعلام الكفر. وهذه الكتائب التى تسمى نفسها كتائب الفرقان، من الواضح أنها ترى المجتمع كله كافرا، وإذا كانت معركتها المعلن عنها، تركز على الإعلام، غير أنه من البديهى أنها ستمضى فى طريق القضاء على بقية قوى المجتمع.
ما أود أن ألفت الظر إليه، هو أن هناك كلمات فى بيانهم لا تستطيع أن تقرأها بغير أن تشعر برعدة تسرى فى جسدك ومنها «النظام عدو الله وضباطه وجنوده كفرة مرتدون حتى يرجعوا ولا تأخذكم بهم رحمة»
البيان يتحدث عن « ضباطه وجنوده» وهو ينسحب بالطبع على كل المشتغلين فى الدولة، هى إذن جماعة تكفر المجتمع المصرى ككل وتتوعده علنا بالقضاء عليه. السؤال هو: هل هذه الجماعة مصرية؟
هل أعضاؤها مصريون، ولدوا فى مصر وتربوا فى القرية المصرية والحارة المصرية. لقد تخطى عقل المتطرف المصرى هذه المرحلة منذ سنوات طويلة، ومن الصعب على أن أصدق أن مصريا يقول عن مصريين لم يأذوه فى شىء.. «ولا تأخذك بهم رحمة» وهذا ما يفسر أن كل عمليات القتل التى تمت للجنود والضباط المصريين حدثت كلها بدم بارد وبشكل عبثى تماما.
أيها السادة.. هذا تنظيم خارجى مواجهته ربما تتطلب أن ننظر خلف الحدود للتعرف على أركان حربه والهدف من وجوده ونشاطه فى مصر. مفردات البيان كان من الممكن أن تكون مصرية لو أننا كنا مازلنا نحيا فى السبعينات، كان شكرى مصطفى، رحم الله الجميع، هو آخر من فكر وعمل طبقا لهذا الأسلوب، ولكن كل هذه المعانى التى عبرت عنها هذه الكلمات القديمة المرعبة، اندثرت ولم يعد لها وجود عند العقول المتطرفة الحالية. وبذلك يكون الهجوم على محطة القمر الاصطناعى، ليس الهدف منه القضاء على الإعلام، بل الإعلان بقوة عن الجماعة بوصفها عضوا جديدا فى الجماعة الدينية الراديكالية فى مصر، والإعلان عن تطرفها الذى لا يتخيله أحد.