قطعاً يتفاءل كثيرون جداً عن السبب الذى من أجله اختص الفريق أول عبدالفتاح السيسى «المصرى اليوم» بحواره الذى أجراه الأستاذ ياسر رزق، فملأ به الدنيا وشغل الناس!
إن فى مصر عشرات بل مئات من الصحف، ومنها صحف كبيرة ومعروفة وذات تاريخ ممتد، ومع ذلك فإن اختياره وقع على هذه الصحيفة، دون غيرها، ليتكلم من خلالها فى أول مرة يتحدث فيها مع صحيفة مصرية، أو حتى عربية!
السبب فى ظنى أنه يعرف أن «المصرى اليوم» عانت، بسبب استقلاليتها أيام مبارك، ثم عانت بالقدر ذاته أيام مرسى، بسبب استقلاليتها أيضاً، وسوف تعانى من نظام الحكم المقبل، إذا ما بقيت مستقلة.. هذا هو السبب فى اعتقادى، ولا سبب غيره!
فإذا تجاوزنا هذا إلى مضمون الحوار نفسه فلابد أن الذين طالعوه ونقلوا عنه واقتبسوا منه وانشغلوا به قد استوقفهم أن يقول الفريق أول حين سُئل عما إذا كان سيترشح فى انتخابات الرئاسة المقبلة، أم لا، إن سؤالا كهذا يأتى فى غير وقته فى اللحظة الحالية، و«الله غالب على أمره».
كثيرون فهموا من هذه الإجابة أن الرجل يفتح الباب نحو إمكانية طرح اسمه فى سباق الرئاسة، ولكنه لا يقطع بشىء، ولا يؤكده، وهو ما يجعلنا نسأله عن مبرر تردده إلى الآن.
ذلك أن الفريق السيسى إذا كان لايزال متردداً، حتى لحظتنا، فنحن نصارحه بأن تردده ليس له محل من الإعراب، لأنه والحال هكذا لا يملك خياراً فيما سوف يكون عليه أن يتخذ فيه قراره النهائى، ولأن كل الطرق تقوده إلى أن يكون موجوداً فى انتخابات الرئاسة، وأن يكون اسمه مطروحاً فيها، وأن تكون عزيمته سابقة لهذا كله، وأن يكون مدركاً تمام الإدراك أنه ليس مدعواً إلى رئاسة بمعناها التقليدى المعروف، وإنما هو مدعو إلى حرب.. نعم إلى حرب بكل معانى الكلمة.
إنها حرب يا سيادة الفريق، لأنك مدعو إلى مواصلة ما كان الشاب محمود بدر قد طلبه منك باسم حركة «تمرد»، يوم 3 يوليو الماضى، حين صارحك بأنك إذا كنت القائد العام للقوات المسلحة، فالقائد الأعلى ليس هو «مرسى»، وإنما هو الشعب.. وهذا الشعب يدعوك بصفته إلى حماية ثورته، وقد استجبت أنت فى حينه، وفعلت، ولم تكن تملك غير ما فعلت، ثم بالدرجة نفسها، فإنك لا تملك اليوم غير أن تواصل حماية ثورة المصريين، فلا تتخلى عنها.
إنها حرب يا سيادة الفريق، لأنك لست مدعواً إلى حفلة - مثلاً - فتملك عندئذ أن تعتذر، وترسل باقة من الورد.. لا.. ليست حفلاً، ولا أنت تملك أن تعتذر، وليس أمامك سوى أن تستجيب، فتحمى ثورة 30 يونيو، ومن قبلها ثورة 25 يناير، وتحقق أهدافهما معاً، وهى أهداف واحدة معلنة ومعروفة ومشهرة.
إنها حرب أنت مدعو إليها يا سيادة الفريق لتأخذ بيد هذا البلد من دولة متخلفة أرادها الإخوان إلى دولة حديثة متمدينة كان محمد على باشا قد وضع أساسها فى بدايات القرن التاسع عشر، ثم تعثرت بامتداد الطريق.
إنها حرب يا سيادة الفريق، لتدفع خلالها عن هذا البلد عمليات محو عقله وتجريف أرضه وطمس حدوده، وتشويه هويته، وإلقاء التراب على تاريخه.. إنها حرب يا سيادة الفريق، وليست نزهة فى كل الأحوال!