أتذكر عميد الأدب العربى، الدكتور «طه حسين»، حين تلقى رسالة من مواطن مغمور.. يطلب منه فيها أن يسافر إلى باريس.. مشترطا أن تكون الرحلة بعثة رسمية، يحصل خلالها على مخصصات طالب الدكتوراه، دون أن يحصل على الدكتوراه!! فما كان من وزير المعارف آنذاك- طه حسين- إلا أن طلب لقاء هذا المواطن.. وبعد حوار طويل معه اتخذ الدكتور «طه حسين» قراره بأن يسافر ذلك المواطن إلى باريس، متمتعا بمخصصات الباحث عن درجة الدكتوراه.. مع موافقته على عدم العودة، حاملا لقب الدكتور.. فالمهم أن يشاهد المسرح ويتعلم أصوله.. ويلتقى بالمفكرين، ويعرف كيف أبدعوا.. ويصول ويجول داخل المجتمع، باحثا عن الثقافة.. وبعد عودته كان هذا المواطن هو الأستاذ «عبدالرحمن الشرقاوى»، صاحب القيمة والقامة فى تاريخ الثقافة المصرية.
تستدعى ذاكرتى قصة اكتشاف الأستاذ «إحسان عبدالقدوس» لمواطن مغمور.. كتب مقالا وتركه له فى استعلامات مجلة «روزاليوسف».. نشر الأستاذ «إحسان عبدالقدوس» المقال، راجيا صاحبه أن يتصل به.. ودون داع لسرد التفاصيل.. قدم لنا ابن صاحبة «روزاليوسف» واحدا من أساتذة وعباقرة مهنة الصحافة، واسمه «أحمد بهاء الدين»، الذى بدأ حياته الصحفية رئيسا لتحرير مجلة «صباح الخير».
الحكايتان أقدمهما لكى أؤكد أن الأمة المصرية قادرة على تقديم المواهب، دون مراعاة قوانين المجتمع البالية!! لكن القادر على اتخاذ القرار لابد أن يكون متمكنا وموهوبا وقادرا على اتخاذ القرار.. تلك كانت روح ما قبل ثورة 23 يوليو 1952.. وقد استطاعت تلك الثورة استثمار هذا الوقود لتشعل الدنيا نارا ونورا.. وبما أننا فى لحظة تاريخية لا تختلف كثيرا عن تاريخ زمن جمال عبدالناصر أرى ضرورة استيعاب درس الحضارة قبل التاريخ.. لذلك أرفع راية التقدير والاحترام لأولئك المتمردين الذين أسقطوا تاريخ ودولة الإخوان بمجرد ورقة.. وأقف احتراما وتقديرا لمبادرتهم بالتقدم للبناء، عبر ترشيح ممثلين لهم وعنهم، للفوز بالأغلبية فى البرلمان القادم.. وأتمنى أن نتعامل مع شباب حركة «تمرد» بقليل من العقل وكثير من الحب.. لأن أولئك الشباب، الذين اخترقوا حاجز الصوت فى حياتنا السياسية، أكدوا جدارتهم على الفعل.. ويملكون القدرة على مواصلة المشوار، إذا تخلصنا من كل محاولات التشويش والانتهازية التى يمارسها ضدهم من يدعون أنهم هم الذين قدموهم على المسرح السياسى!!
حركة «تمرد» ليست مجرد فعل سياسى اختلفنا حوله أو عليه.. ولا مجرد عنوان لحالة مصرية شديدة الخصوصية.. انتهت إلى إسقاط نظام.. كما أنها ليست جملة عابرة فى تاريخ هذا الوطن.. لكنها حقيقة قادمة من تاريخ قديم وعريق.. فالأمة المصرية التى سبق أن قدمت «مصطفى كامل» كزعيم وطنى حفر اسمه على جدران التاريخ، ورحل دون الخامسة والثلاثين.. إضافة إلى عشرات من الأسماء فى جميع المجالات.. تقدم للدنيا اليوم مجموعة من الشباب المبدعين، الذين أثبتوا جدارتهم على الفعل.. وحين يتخذون قرارهم بخوض الانتخابات البرلمانية، أملا فى الفوز بالأكثرية.. تؤكد للجميع أنها أمة تتجدد وقادرة على حلم ثابت على الأرض.. وإن كنت قد انحنيت تقديرا واحتراما لشباب «تمرد»، فاسمحوا لى بأن أستمر فى الرهان عليهم.. ولا عزاء للذين اعتقدوا أنهم يقدرون على استخدامهم، واللعب بهم!!
مصر فى زمن «طه حسين» وفى زمن «إحسان عبدالقدوس» تجدد نفسها، دون تكرار.. فهل تثقون برؤيتى التى تدفعنى إلى دعوتكم لتأييد ودعم شباب «التمرد»، عندما يطرحون عليكم البديل الحالم والصحيح؟! إذا كانت الإجابة بنعم فأرجوكم الرهان عليهم.. ومَن يرفض رؤيتى، يمكنه الرهان على أبناء وأحفاد «التتار الجدد»!!