سأبقى اليوم مع الإعلام الفرنسى الذى امتدحه الأستاذ فهمى هويدى وانتقى من فيض مواد وأخبار وتقارير وتحقيقات نشرها وبثها هذا الإعلام بشأن فضيحة جهاد نكاح البنات، موضوعين اثنين فقط استند إليهما سيادته فى مرافعة عصماء دبّجها ونشرها يوم الإثنين الماضى فى صحيفة الشروق لكى يثبت براءة جماعات الشذوذ والإرهاب من ارتكاب الفضيحة المذكورة.. أما المفاجأة التى وعدت بها القراء والأستاذ هويدى معًا فى ختام سطور أمس، فإننى أدعو الجميع لانتظارها فى نهاية هذه السطور.
وأبدأ بتقرير خبرى مطوَّل بثته «وكالة الأنباء الفرنسية» ووزعته يوم الأربعاء 28 أغسطس الماضى على مشتركيها ومنهم الصحف ومحطات التلفزة فى فرنسا التى اهتمت جميعا بإبراز أهم ما فى هذا التقرير، ألا وهو المعلومات التى كشف عنها المدير العام لجهاز الأمن العمومى فى تونس مصطفى بن عمر فى مؤتمر صحفى عقده بمناسبة نجاح الشرطة فى اكتشاف و«تفكيك» ما سماه «خلية لجهاد النكاح» فى منطقة جبل الشعانين (وسط غرب تونس) حيث يتحصن مسلحون مرتبطون بتنظيم القاعدة، وقال عمر: إن جماعة تدعى أنصار الشريعة قامت بـ(انتداب العنصر النسائى وركزت خصوصا على الفتيات القاصرات المنتقبات، وقد استطاعت أجهزة الأمن اكتشاف إحدى الخلايا التنظيمية التى تعمل على تجنيد فتيات لممارسة النكاح مع عناصر الجماعة المذكورة بزعم أن ذلك يعد «جهادا فى سبيل الله») وأكد المسؤول التونسى أن الخلية «تتزعمها فتاة صغيرة من مواليد العام 1996»، وأضاف أن هذه الفتاة «أقرت فى التحقيقات أنها تمكنت من إقناع فتيات عدة لمرافقتها إلى الجبل، حيث يتمركز الإرهابيون الذين ضاجعهون»!
وفى السياق نفسه نسبت «الوكالة الفرنسية» فى تقريرها لقيادات أمنية فى ولاية القصرين التونسية قولهم إن قوات من الشرطة عثرت فى أثناء مداهمتها لبعض الأوكار التى تمركزت فيها عناصر من جماعة أنصار الشريعة على «ملابس داخلية نسائية»!!
أما مجلة «نوفيل أوبسرفاتور» الفرنسية أيضا، فقد نشرت فى عددها الصادر بتاريخ 9 أغسطس الماضى تحقيقا صحفيا احتل مساحة صفحات عدة واحتوى على معلومات يشيب من هولها الولدان عن الكوارث الأخلاقية الناجمة عن ظاهرة التغرير بفتيات تونسيات واستخدامهن فى توفير المتعة الحرام لمن يسمون أنفسهم «مجاهدين» خصوصا فى سوريا، بل وفى تونس نفسها، ونقلت المجلة عن مصادر عديدة ما وصفوه بأنه «نتائج وفظائع أخلاقية مروعة خلفتها هذه الظاهرة، أبشعها عودة عشرات الفتيات من سوريا وهن حوامل سِفاحًا بعدما ضاجعهن رجال مجهولون من عناصر التنظيمات الجهادية المسلحة التى تحارب فى هذا البلد»!
كما تضمن التحقيق الذى نشرته «نوفيل أوبسرفاتور» شهادة مهمة أدلى بها المحامى باديس كوبكجى رئيس «جمعية نجدة التونسيات» فى الخارج، إذ قال الرجل إن الفتيات الضحايا أغلبهن من أُسر فقيرة تقطن فى الأحياء الشعبية المحيطة بالمدن الكبرى ويتم استغلالهن وتجنيدهن من قِبل حركات وجماعات إسلامية، ويتم إرسالهن إلى سوريا بالذات «من أجل إشباع الرغبات الجنسية للمقاتلين هناك»!!
وبعد.. أظن هذه «العينة» من المواد الصحفية التى نشرتها وأذاعتها وسائل الإعلام الفرنسية كافية جدا لدحض تكذيب الأستاذ فهمى هويدى لفضيحة «جهاد النكاح»..
والآن أختم بالمفاجأة التى أعترف بأننى لم أبذل فيها جهدا يُذكر، وهى عبارة عن شهادة بليغة شهد بها المنصف المرزوقى رئيس الجمهورية التونسية شخصيا فى سياق حوار أجرته معه الزميلة راغدة درغام ونشرته فى صحيفة «الحياة» اللندنية عدد يوم الجمعة 27 سبتمبر الماضى، ففى موضع من هذا الحوار سألت الزميلة الرئيس المرزوقى السؤال التالى: «ماذا سيحدث للنساء التونسيات اللواتى عُدْن حوامل من (جهاد النكاح) فى سوريا؟».
وكان جواب الرئيس بالنص والحرف: «هذا الموضوع مؤلم ومهين جدا ومذل جدا، ولا أريد أن أتكلم فيه، لأنه فعلا شىء مقرف.. أنا بالنسبة إلى شىء كهذا دليل على الانحطاط الأخلاقى وعلى الخلط بين الدين والعُهر، وبين أشياء يَنْدَى لها الجبين، يعنى كيف نحكى عن جهاد النكاح؟! كيف يمكن أن يغرر بالفتاة التونسية؟.. أشعر أننى أهنت فى شرفى بسبب أشياء كهذه، (وأفكر) كيف سنتعامل مع هؤلاء المسكينات؟ نعتبرهن ضحايا ومسكينات غّرِّر بهن ويجب أن نتعامل معهن بأقصى قدر ممكن من الإنسانية، لأنهن ضحايا مجتمع ضحى بهن. لم يعطهن التربية ولم يعطهن العمل ولم يعطهن الكرامة.. هن ضحايا انعدام التعليم والتربية الدينية (الصحيحة).. هن ضحايا بكل المقاييس، خصوصا أننا نعلم أن عملية اغتصاب فظيعة وقعت لهؤلاء البنات. هؤلاء بناتنا ويجب أن نأخذهن بكل الرأفة ونحاول تخفيف الآلام التى تعرضن لها»!!
وبدورى أسأل الأستاذ هويدى: هل سياتك تعلم عن فتيات تونس أكثر من رئيس الجمهورية التونسية؟!.. لا حول ولا قوة إلا بالله.