على مائدة عشاء السفير المصرى فى مدريد والسيدة حرمه قابلت وزيرة الخارجية السابقة، عضو مجلس الدولة الحالية، آنا بالاسيو، ومجموعة من الباحثين والدبلوماسيين ورجال السياسة، وعجبت لحجم المعلومات المغلوطة المتداولة فى الخارج عما يحدث الآن فى مصر، حتى فى دولة صديقة مثل إسبانيا.
كنت فى زيارة خاطفة للعاصمة الإسبانية فى إجازة نهاية الأسبوع، وتفضل السفير المقتدر أيمن زين الدين، الذى عرفته لأول مرة منذ عدة سنوات دبلوماسياً نشطاً فى طوكيو، ثم بعد ذلك فى واشنطن، بالدعوة لعشاء بمنزله بمناسبة زيارتى، حيث استطاع أن يجمع بعض أهم المتابعين لشؤون الشرق الأوسط.
وفى نهاية الجلسة عرفت لماذا حرص السفير على أن أقابل ضيوفه الكرام، فقد أخبرنى بأنه دائم توضيح حقيقة الأوضاع السائدة الآن فى مصر، وقال: لكننى أريدهم أن يسمعوا منك تقييمك المستقل للموقف، فأنت لست دبلوماسياً مفروضاً عليك مراعاة الكثير من الاعتبارات، ولا تتقلد منصباً رسمياً يحتم عليك الدفاع عن الوضع الحالى.
وقد تركز الحديث بالطبع حول الموضوع المفضل فى الغرب الآن، وهو ضرورة مشاركة جميع الأطراف فى العملية السياسية، وأردت اختصار الوقت، فقررت التسليم بتلك الضرورة، التى قلت إن الحكومة الحالية تلتزم بها، لكن من يرفضها هو الجانب الآخر من ناحية والرأى العام من ناحية أخرى، وأضفت أن تلك هى المعضلة الحقيقية، فالحكومة تسعى لتطبيق سياسة مرفوضة من الطرفين: الإخوان الذين اختاروا الركون إلى سلاحهم التقليدى، وهو العنف بدلاً من الحوار، والرأى العام الذى يجد صعوبة فى مصالحة جماعة ضربت بمصالحه عرض الحائط طوال فترة حكمها واختارت مواجهته بالسلاح بعد أن سقط ذلك الحكم.
وشرحت ما يقوم به الإخوان الآن من أعمال إرهابية كان آخرها محاولة تدمير القمر الصناعى بالمعادى، والتى سبقها حرق الكنائس وأقسام الشرطة وقتل المواطنين الأبرياء، فدهش أحدهم من وصفى لما يقوم به الإخوان الآن من عنف دموى بأنه إرهاب، وقال آخر إن الإخوان لن يختفوا ويجب علينا الاعتراف بالآخر وعدم العمل على إقصائهم، فقلت: إننا لا نريد لهم أن يختفوا وإنما أن يغيروا الأسلوب الدموى الذى عُرفوا به منذ بداية تأسيس جماعتهم قبل 85 سنة، ثم قلت: لقد دُعوا للمشاركة مع القوى الوطنية فى تحديد خريطة المستقبل فرفضوا، وعُرض عليهم ترشيح ممثليهم فى لجنة الـ50 للدستور فرفضوا، فمن إذن الذى يرفض الآخر؟ يبدو لى أن حديث المصالحة والمشاركة هذا يجب أن يوجه لهم وليس لنا.