الأمر ليس كما يخطر على بالك الآن. هذا المقال ليس تحديدا عن الكاتبة الشهيرة مؤخرا غادة شريف والجنرال السيسي.
غادة ليست الجميلة لأسباب عديدة، أولها أنا لم أرها رأي العين، ولا أصدق صور الكتّاب التي تنشر مع مقالاتهم، حتى صورتي الشخصية المنشورة مع هذا المقال هي صورة قديمة نسبيا، وثانيا لأن غادة لو كانت واحدة من الجميلات فهي ليست الجميلة حصريا.
والسيسي أيضا ليس وحده وحصريا الجنرال، رغم كل محاولات الكثيرين من «رجاله» الذين اختاروه ولو لم يخترهم، ولكن عنوان المقال من المفترض أن يعبر عن مغزى عميق ورمزي وشامل وتاريخي ومعاصر.
هذا المغزى هو تحديدا وبدقة عكس ما قد يبدو عندما يصبح «الجميلة والجنرال» اسمًا لقصة أطفال تقليدية.
قصة من نوع الحكايات الجميلة والعبيطة التي نفرح بها صغارا ثم نسخر منها كبارا.
وربما يحب الكبار أن يحكوها لأطفالهم تحديدا لأنهم يرونهم كائنات بريئة جميلة لا تستحق أن تعاني تعقيد الحياة وصراعاتها.
ولذلك يحاول الكبار طمأنة الأطفال أنهم «نور عينيهم» وأنهم سيكبرون ويصبحون «قد الدنيا».
ولكن الدنيا كما هي حلوة فهي أيضا مؤسفة ومعقدة وأدوار الخير والشر فيها ليست ببساطة الحكايات الخرافية.
في حكاية خرافية اسمها «الجميلة والجنرال» يمكنك أن تتوقع ببساطة ان الجميلة هي فتاة طبعا جميلة، عادة ما تكون من أصل طيب، أميرة ضاعت من أسرتها الملكية، وليست مثل باقي الناس العاديين في الدنيا، ولكنها أكيد شيء أكبر (أم الدنيا مثلا)، وهذه الفتاة لا حول لها ولا قوة، غالبا هي «موضوع» وليست «ذات»، هناك طبعا ملمح ذكوري واضح في القصص الخيالية القديمة.
الحياة تسوق البطلة ذات اليمين وذات الشمال حتى تلتقي بذات الجنرال.
غالبا ما نتوقع أنه البطل، وغالبا سنتوقع أنه سينقذها من خطر ما. وحش مثلا. الوحش شرير طبعا، شرير بطبعه وليس لسبب ما. هو مخلوق للشر. يفكر في الشر ويضمر الشر. لا مجال لأي نقاش في ذلك. وطبعا سيهدد الأميرة الجميلة ثم سينقذها الجنرال.
سترتمي الجميلة في حضن الجنرال، تستسلم لحبه وقوته وعظمته، تغني له كما غنت دنيا سمير غانم لبطلها، وسيساعدها الجنرال على اكتشاف سيرتها الأولى، إنها أميرة وعظيمة أصلا. كانت عظيمة وستعود لعظمتها.
عظمتها لا تظهر إلا على خلفية فيها باقي الناس العاديين الذين ليسوا بعظماء وليسوا من أصل عظيم. وطبعا هي والجنرال بطلان لأنهما ليسا من الوحوش والأشرار الذين خلقهم الله داخل القصص الخرافية وحوشًا وأشرارًا.
هذه القصص الجميلة التي نؤلفها ونتوقع نهايتها تصلح لأن نشعر بأنه يمكن ترتيب الحياة على هذا النحو البسيط والثقة في ترتيبنا ونحن نراه يعمل بكفاءة. ينتصر الخير وينهزم الشر. لا مجال للشك أننا نحب الأخيار ولا مجال للشك في أن من نراهم أشرارا ليسوا كذلك. يمكن للصراعات أن تنتهي نهاية سعيدة وحاسمة.
لست حاسما بشأن التفكير في صراعات الحياة بنفس الطريقة، الحياة مدهشة ومعقدة لدرجة أن تعقيدها قد يؤدي أحيانا لانتصار رؤية مبسطة وضيقة الأفق كالقصص الخيالية أو يبدو ذلك في لحظة ما. ولكن يغلب على ظني إنها إن انتصرت في لحظات فإن ذلك لا يستمر كثيرا، لأن الفارق بين الحياة والقصص الخيالية أن القصص الخيالية لها نهاية نغلق بعدها الكتاب وننام. ولكن الرؤى العبيطة عندما تتملك وجدان الشعوب قد تمتعهم أحيانا ولفترات قد تقصر وتطول، ولكن في النهاية تقودهم إلى طريق مليء بالآلام والكوارث..
طريق تنقلب فيه الدراما إلى دراما معاصرة معقدة تنتمي لعالم الكبار: الوحوش لا نهاية لهم، الأبطال ليسوا أخيار تماما وليسوا خارقي القدرة، الوحوش ليست متوحشة لهذه الدرجة أو أنها ليست بالضبط كما أقنعهم مؤلف القصة الخيالية، بل هم أيضا أبطال من زاوية أخرى، ربما اتخذ المتفرجون قرار الإيمان بهم والتعاطف معهم وتحول البطل في عيونهم إلى وحش. وربما لا يوجد أبطال ولا وحوش، ولا أميرة ستصبح «قد الدنيا». مجرد ناس تتصارع ودنيا تموج بالتعقيد. الصراع يطول ويستمر ويتوغل ويتعمق دون أن يبدو أفق لهذه النهاية السعيدة، بل دورات متكررة من النهايات المفتوحة المليئة بالحلو والمر.
يحتاج الأمر وقتها للتفكير في السياسة والاجتماع بشكل معقد وممل يتحدث عن طرق طويلة ومتعرجة، ولكن بديلها لا يزال جذابا ومنعشا ومفعما بالعواطف والغرائز - لا مؤاخذة - ويشير إلى نهاية سعيدة قريبة.
الاستمتاع بالرؤية الملحمية والتعلق بالبطل، التفكير في الأمجاد المستعادة والنهاية السعيدة والقضاء الناجز على الأشرار، كل ذلك وقتها لن يغير العالم، ولكنه قد يصلح لصناعة أغنيات ورسومات وأوبريتات رخيصة أو حكي حكاية لطيفة لغادة إلى أن تنام بينما تزداد حدة المعارك تحت نافذتها ذات الستائر البمبي أو تزداد قسوة محو الأشرار من الوجود لكي تختفي المشكلة أصلا.