النص على رفض تأسيس أحزاب على أساس دينى فى الدستور المصرى أمر إيجابى، لكنه لن يحل مشكلة الأحزاب ذات المرجعية الدينية التى تقول إنها غير دينية ولا طائفية ومفتوحة للجميع، ومازال بعضها موجودا حتى الآن.
فتأسيس حزب على أساس دينى، بما يعنى التمييز بين المواطنين بسبب الدين، أمر مرفوض دستوريا وقانونيا، وإنشاء حزب طائفى يهين المسيحيين ويمارس ضدهم التحريض والكراهية أمر لا يمكن قبوله أخلاقيا ودستوريا، ويجب تجريمه ومنعه فى نصوص دستورية قاطعة.
وإذا كان من الواضح أنه لا يوجد حزب سياسى إسلامى ادعى أنه قائم على أساس دينى، حتى أكثرها تشددا وطائفية، فالجميع تقريبا يعلن أنه حزب مرجعيته إسلامية، والبعض الآخر أكد أن مرجعيته «دستورية» نسبة للمادة الثانية من الدستور التى تنص على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، وأن هذه الأحزاب تستند فى مرجعيتها الإسلامية على هذه المادة.
وقد طالب البعض بتجريم إنشاء الأحزاب ذات المرجعية الدينية، على اعتبار أنها ستار يخفى الأساس الدينى والطائفى للحزب، والحقيقة أن الحل لا يكمن فى المنع، لأنه لا يوجد حزب يقول إنه حزب دينى أو طائفى، إنما يقول إن لديه مرجعية فكرية مستمدة من مبادئ الشريعة، كما نص الدستور.
المؤكد أن حظر إنشاء أحزاب على أساس دينى وطائفى أمر مطلوب، لكن التحدى فى الأحزاب التى تخرج وتقول إن لديها مرجعية دينية متفقة مع الدستور، أو حتى تلك التى تقول إنها مدنية وتنطلق من المادة الثانية فى الدستور، فهل سنحظرها هى الأخرى، ونتناسى أن المشكلة فى الممارسة التى اعتادت معظم النظم الحاكمة أن تتركها بلا أى ضابط أو قانون، كما جرى فى عهدى مبارك ومرسى؟
الحقيقة أنه باستثناء النص على حظر الأحزاب على أساس دينى يجب ألا ينص الدستور ولا قانون الأحزاب على أى حظر آخر، فيما يتعلق بالأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، فالمشكلة كانت ولاتزال فى تفعيل القانون لمنع أى حزب من الانحراف فى خطابه وممارسته نحو العنف أو الطائفية أو بث التحريض والكراهية داخل المجتمع، وهى كلها أمور حرض عليها حكم الإخوان والأحزاب المتحالفة معه طوال الفترة الماضية، رغم أنها جميعا لم تقل إنها أحزاب دينية، أو إنها أنشئت على أساس دينى.
إن الخلل الذى تعانى منه مصر فى غياب القانون وعدم وجود إرادة سياسية تحول دون انحراف أى حزب عن قواعد دولة القانون، وأن حالة التسيب والاستباحة التى عرفتها مصر لفترة طويلة وتصور معها البعض أن الديمقراطية هى فى التنافس على السب والقذف، وأن الحرية فى أن تخون أو تكفر من تريد، وأن وضع أى قواعد تنظم العملية السياسية وتحاسب بصرامة أى خروج على القانون، هى اعتداء على الديمقراطية، رغم أن هذه القواعد هى معيار نجاح أى نظام سياسى ديمقراطى جديد.
إن مصر لم تعان طوال تاريخها من وجود دساتير سيئة، بل على العكس فقد كتبت فيها أعظم الدساتير من دستور 1923 حتى دستور 1971، لكنها عانت من عدم تطبيق ما جاء فى هذه الدساتير، فالعبرة لم تكن فى النص الدستورى، إنما فى وجود إرادة سياسية للنظام القائم فى تطبيق ما تضمنته هذه الدساتير.
إن تصور البعض أنه يمكن القضاء على التيارات الإسلامية بالحظر الدستورى والقانونى، لمجرد أنها تحمل إطارا فكريا وأيديولوجيا مخالفا، واهم، فالمواجهة الحقيقية ستكون أولا بتطبيق القانون بصرامة فى مواجهة أى انحراف متوقع فى ممارسة هذه الأحزاب، وثانيا فتح الطريق أمام هذه التيارات إلى التعلم من الممارسة الديمقراطية وتحويلها إلى تيارات مدنية تؤمن بالدولة الوطنية والديمقراطية، مثلما جرى فى بعض تجارب العالم الإسلامى.
إن الموقف من الإخوان وحكمهم لا يرجع إلى أنهم أسسوا حزبهم على أساس دينى، فقد ضم الحزب بين صفوفه عشرات المسيحيين وأعلن إيمانه بالديمقراطية والمواطنة والدولة المدنية، لكنه فى الممارسة فعل العكس تماما، ولولا انتفاضة الشعب المصرى فى 30 يونيو وتدخل الجيش يوم 3 يوليو لظل الإخوان فى السلطة ولمارسوا أسوأ صور التنكيل بالشعب المصرى، لأنهم لم يجدوا من الأصل دولة قانون تردعهم وتفرض شروطها عليهم من لحظة تأسيسهم، إنما تركوا كجماعة سرية تحكم فوق الدولة والقانون ما يقرب من عامين.
إن مشكلة مصر ليست فى حظر الأحزاب ذات المرجعية الدينية التى تقول إنها تحترم الدستور والقانون، إنما فى إجبارها على احترام الدستور والقانون فى الممارسة العملية.
يجب ألا ندفع هذه التيارات إلى الكذب والقول إنها أحزاب سياسية مدنية حتى تفلت من الحظر، وفى الممارسة نجدها تتحول إلى أحزاب طائفية أو عنيفة.
فكم منا يتذكر وداعة الإخوان حين كانوا مضطهدين فى عهد مبارك، وكيف تحولوا بعد أن وصلوا للسلطة، وتوحشوا بعد أن خرجوا منها، فالعبرة بتطبيق القانون القادر على ضبط أى انحراف يشوب تحركها فى الممارسة العملية.