ايجى ميديا

الخميس , 26 ديسمبر 2024
ايمان سمير تكتب -وقالوا عن الحرب)مني خليل تكتب -اثرياء الحرب يشعلون اسعار الذهبكيروش يمنح محمد الشناوي فرصة أخيرة قبل مواجهة السنغالايمان سمير تكتب -عيد حبعصام عبد الفتاح يوقف الحكم محمود بسيونيمني خليل تكتب -غياهب الايام الجزء الرابعالمصرى يرد على رفض الجبلاية تأجيل لقاء سيراميكا: لماذا لا نلعب 9 مارس؟مني خليل تكتب -غياهب الايام الجزء الثالثمني خليل - احسان عبد القدوس شكل وجدان الكتابة عنديالجزء الثاني / رواية غياهب الأيام كتبت / مني خليلإحاله المذيع حسام حداد للتحقيق وإيقافه عن العملتعاون بين الاتحاد المصري للدراجات النارية ودولة جيبوتي لإقامة بطولات مشتركةغياهب الايام - الجزء الاول - كتبت مني خليلاتحاد الكرة استحداث إدارة جديدة تحت مسمى إدارة اللاعبين المحترفين،كيروش يطالب معاونيه بتقرير عن فرق الدورى قبل مباراة السنغال| قائمة المنتخب الوطني المشاركة في نهائيات الأمم الأفريقية 🇪🇬 .... ⬇️⬇️اللجنة الاولمبية تعتمد مجلس نادي النصر برئاسة عبد الحقطارق رمضان يكشف سر عدم ترشح المستشار احمد جلال ابراهيم لانتخابات الزمالكنكشف البند الذي يمنع الدكتورة دينا الرفاعي من الاشراف علي الكرة النسائيةوائل جمعة نتتظر وصول كيروش

نجاتى فى أكتوبر

-  

حينما التحقت بمدرسة الزيتون الإعدادية عام 1970 تعرفت على صديقى «جمال نجاتى» الذى كان يفوقنا علما وخلقا ومثابرة، ووصل تفوقه إلى أن أصبح بشكل دائم هو الأول على المدرسة بلا منافس، كان جمال هو الابن الأكبر للصول «نجاتى» أحد أفراد قوات الصاعقة المصرية، وحين توثقت الصلات وأواصر الصداقة بينى وبينه، كنت أذهب للمذاكرة معه فى بيته المتواضع الكائن بإحدى الحارات الضيقة المتفرعة من شارع جانبى، وفى صالة المنزل الصغير كانت الحاجة «أم جمال» تحمل لنا الساندوتشات وأكواب الشاى وهى تتحدث معنا على سجيتها ثم تنهى حديثها معنا وتغادرنا وهى تدعو لنا بالنجاح والفلاح.

كنت أرى والده صاحب القوام القوى والسحنة النيلية السمراء وهو يختم صلاة العشاء ويكثر من الأدعية وهو يرفع يده للسماء، وحين كان يلهج لسانه بالدعاء كنت أسمعه وهو يقول لرب العزة فى خشوع وتضرع «اللهم انصرنا عليهم ورد لنا كرامتنا، فأنت القادر، ولا قادر إلا أنت».

وبتفكيرى الصبيانى قلت له ذات يوم: هل ننتظر أن يرد لنا الله كرامتنا يا عمّ نجاتى، لماذا لا نعمل نحن ونرد كرامتنا لأنفسنا، يا عمّ.. لقد قال لنا الأستاذ حسنين مدرس العربى إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، حينئذ نظر لى عمّ نجاتى نظرة حب وقال: اطمئن يا ولدى، نحن نعمل على رد كرامتنا وسنغير ما بأنفسنا ولكننا نلجأ إلى الله كى يساعدنا.. كنا فى غفلة والآن نعود إلى يقظتنا.

ومرت سنوات قليلة ودخلنا إلى المدرسة الثانوية، وظل جمال صديقا أثيرا لدىّ لا أغادره ولا يغادرنى، ورغم أنه دخل إلى مدرسة غير مدرستى إلا أننا كنا نلتقى دائما دون انقطاع، وكانت الزاوية الصغيرة المسماة «زاوية مركز الشباب» والكائنة بآخر شارع طومان باى تجمعنا وقت الصلاة وعند صلاة الجمعة حيث كنا نستمع فيها إلى خطبة «الشيخ فتحى» فنستزيد من علمه وتتحرك قلوبنا من أدعيته.

ونظرا لأن مدرسة جمال كانت قريبة من مدرستى فكنا قد اتفقنا على أن نلتقى بعد اليوم الدراسى لكى نعود إلى بيوتنا معا فى صُحبة طريق يومية، وجاء اليوم المشهود، يوم السادس من أكتوبر حيث تعطلت المدارس فأخذَنا أبى لنكون فى فترة الحرب فى معية جدى لأمى ـ رحمه الله ـ فى إحدى قرى الشرقية، وكان أن وضعت الحرب أوزارها وعادت لنا الروح ووقف المارد المصرى بقوة على قدميه رافعا هامته أمام العالمين بعد أن وقع فى ظن الجميع أن مصر لفظت أنفاسها وخرجت من التاريخ، وحين بدأت مباحثات «فك الاشتباك» عادت الدراسة إلى انتظامها فعدنا إلى القاهرة، وفى حارة صديقى جمال نجاتى وجدت الزينة تطوِّق بيته من كل جانب وسمعت الزغاريد وكأنها تُعبر عن فرحة لا تتكرر، فوقع فى ظنى أن والده عاد من الحرب فهرعت إلى منزله أقفز السلالم قفز الريح، وأمام «بسطة السلم» المواجهة لشقته رأيت جمعا من الناس يشربون الشربات ورأيت الحاجة «أم جمال» تلك الأم الطيبة الوادعة وهى تجلس مع جمع من النسوة وكان وجهها مشرقا منيرا إلا أنه بدا وكأنه يحمل فى قسماته طرفا من الفرحة وطرفا من الحزن المستتر والشجن الخفى، وحين رآنى جمال احتضننى بقوة وناولنى كوب الشربات، سألته وأنا أعب الشربات عباً: أين عمّ نجاتى فأخذنى جمال من ذراعى ونزل بى إلى الشارع حيث انتحى بى جانبا وقال لى وقد اغرورقت عيناه بالدموع: هو الآن فى أعلى فرحته وفى أعلى عليين، يعز علىَّ أن فارقنا ولكن الله اختاره لكى يكون شهيدا، وأذكر أننى قلت لجمال وأنا لا أكاد أصدق: كيف هذا؟

فقال اسمع هذه القصة: كان أبى من أولئك الجنود البواسل الذين عبروا قبل العبور ليعبِّدوا الطريق للجحافل الظمآنة للعبور والنصر، وحين تسلل هو وفرقته اشتبكوا مع كتيبة إسرائيلية وكان القتال عنيفا، كانت مهمة الكتيبة الإسرائيلية هى عرقلة أى عبور لجنودنا وقصف دباباتنا بصواريخهم، وكان القضاء على هذه الكتيبة أمرا لازما لكى يتم العبور دون خسائر أو بأقل خسائر ممكنة، وعندما استعصت الكتيبة الإسرائيلية وتمنعت وتترست بحصونها كان لابد من أن يكون هناك عمل فدائى، فطوّق أبى نفسه بكم من المتفجرات واخترق حاجزهم وهو يحمل أسلحته ورغم أنهم أصابوه إلا أنه ظل يتقدم بجسارة وقوة شكيمة حتى وصل إلى النقطة التى حددها فنزع فتيل المتفجرات التى كان يحملها فانفجرت وانفجر معها لتتطاير أشلاؤه الطاهرة تصيبهم باللعنات وبفضل الله تم إبادتهم جميعا ومن بعده استطاع فريق أبى من الفدائيين البواسل اختراق الحاجز وتأمين المكان ثم كان العبور، لهذا يا صديقى نحن الآن فى فرحة طاغية فأبى شهيد ومصر فى عيد، وكما قال أبى لنا ذات يوم سنأخذ بالأسباب وسنلجأ إلى الله فعادت لنا كرامتنا.

وبعد سنوات طويلة كنت أمر على شارع طومان باى فمررت على مسجد الشهيد «عاطف السادات» ذلك المسجد الذى كان فى صبانا زاوية «مركز شباب طومان باى» وإذ دلفت للحارة التى كان يسكن فيها صديقى جمال وجدت لافتة مكتوبا عليها «حارة الشهيد نجاتى».

التعليقات