قبل أشهر قلائل جمعتنى وبعض الزملاء الإعلاميين العرب جلسةٌ غيرُ رسمية مع مسؤول إماراتى، وكان من الطبيعى أن يتطرق الحديث إلى توتر علاقات القاهرة وأبوظبى، بسبب القبض على خلية إخوانية فى الإمارات، وما تبعها من تصريحات مسيئة للشعب الإماراتى، أطلقها القيادى الإخوانى عصام العريان فى مجلس الشعب. كانت جماعة الإخوان آنذاك تمارس سياسة (جر الشكل)، وتبحث عن عدو خارجى لتصب عليه أحقادها. قال المسؤول: (مهما حدث من حكومة الإخوان لن نتخلى عن أشقائنا هناك، تلك وصية الشيخ زايد لنا).. سرد الرجل ما اعتبره أفضالاً من مصر على شقيقاتها العربيات والخليجيات على وجه الخصوص، وعاد ليكرر موقف بلاده الذى وصفه بالراسخ تجاه الشعب المصرى. قلت فى نفسى: لعلها مجاملة رقيقة فرضها حضورى، باعتبارى المصرى الوحيد فى الجلسة، رغم معرفتى بأن الرجل مشهور بأنه (دوغرى) لا يجامل!
فى تلك الأثناء كان الإخوان يملأون الدنيا ضجيجاً حول عزم الإمارات طرد آلاف المصريين العاملين على أرضها. كان التسويق لتلك الادعاءات على أشده، بينما كان الإماراتيون حكاماً ومواطنين يرددون عبارات خالدة لوالدهم القائد العروبى الشيخ زايد رحمه الله: (ما تقوم به الإمارات نحو مصر هو نقطة ماء فى بحر ما قامت به مصر نحو العرب.. أوصيت أبنائى بأن يكونوا دائما إلى جانب مصر، فهذا هو الطريق لتحقيق العزة للعرب كلهم).
مضت أيام عصيبة قبل أن يُسقط المصريون حكم الإخوان فى 3 يوليو الماضى، ومعه سقطت أقنعة حكومات وظهرت معادن حكومات أخرى فى المنطقة. كنت لاأزال فى القاهرة لتغطية ذلك الحدث التاريخى حين وصلها وفد إماراتى يوم 9 يوليو برئاسة الشيخ هزاع بن زايد، مستشار الأمن القومى لتقديم دعم الإمارات لخيار المصريين. لم يفاجئنى أن يكون أول زوار (مصر الجديدة) من الإماراتيين، الذين شرعوا مع السعوديين فى بناء ظهير عربى للقيادة المصرية، لمواجهة ضغوط أمريكية وأوروبية وصداع تركى قطرى!.. دقت عقارب ساعة الفرز بقوة.. توالت زيارات وزير الخارجية الإماراتى الشيخ عبدالله بن زايد إلى الولايات المتحدة وأوروبا، يحمل هموم أشقائه المصريين، ويضع أمام العواصم المتحفزة ضد القاهرة خطوطا حمر بخصوص ممارسة الضغوط على الحكومة المصرية.. أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك، عاد الشيخ عبدالله، محذراً من التدخل فى الشؤون الداخلية لمصر، وداعياً إلى الكف عن إرباك مسيرتها نحو الاستقرار والديمقراطية.. فور انتهاء خطابه قلت لأحد الأصدقاء: نحن محظوظون.. لدينا وزيران للخارجية! ضحك صديقى فسألته: ترى ماذا يريد الإماراتيون من مصر؟! فاجأته صيغة السؤال، لكنه رد على الفور: هؤلاء أناس يعرفون قدر مصر، يحفظون لها مكانتها فى وقت الشدة، يساعدون شعبها من دون انتظار مقابل، كما كان يفعل الشيخ زايد حتى فى سنوات المقاطعة العربية!
تذكرت هذا الحديث أثناء متابعتى لحفل ذكرى نصر أكتوبر، كان الشيخ هزاع بن زايد يجلس فى مقدمة الحضور، بينما كان شقيقه الشيخ عبدالله يكتب على «تويتر» بحس إنسان عربى بسيط: (أشعر اليوم بأننى مصرى.. مبروك لمصر.. مبروك للعرب).. فى الوقت ذاته امتلأت مواقع الاتصال الاجتماعى بمشاعر جياشة من مواطنين إماراتيين يهنئون أنفسهم قبل تهنئة المصريين بذكرى عزيزة على قلوب عشاق (الوطن)، أليمة على نفوس أيتام (الجماعة)! كنت أتأمل مظاهرة الحب تلك، حين استعدت كلمات الفريق أول عبدالفتاح السيسى: (شعب مصر لا ينسى من وقف إلى جانبه.. ولا ينسى من وقف ضده).. قلت لنفسى: صحيح!