فى الوقت الذى يعتقد فيه الإخوان أنهم يحاربون السيسى ويكتبون نهايته كخائن وقاتل وانقلابى إلى آخر هذه الجمل التى تملأ كل جدران العاصمة وغيرها، فى الوقت نفسه يخدمون السيسى ويكتبون تاريخه كقائد شعبى ورمز للبطولة فى عيون كثير من المصريين.
الإخوان شاركوا فى تفويض السيسى دون أن يدروا، وكل من تخلَّف عن جمعة التفويض يشعر بالندم، إذ إنه لم يعضد قوة السيسى بما يكفى للقضاء الكُلِّى لا الجزئى على نظام مرسى وأنصاره.
الإخوان يرتكبون من الحماقات يوميا ما يجعل السيسى منقذ الأمة فى مواجهة صانعى القنابل والمستنجدين بالغرب والداعين للعكننة على المصريين بكل طريقة ممكنة فى مواصلاتهم وأكل عيشهم وحتى خبزهم، يوم بعد يوم يصبح أى ضحايا من الإخوان والإسلاميين مجرد رقم فى شريط الأخبار، لا يهز ساكنا لدى عموم المصريين، إذ إنهم مجرد قتلى كانوا فى سبيلهم لإثارة الفوضى والذعر.
لا أحد يستفيد من الإخوان حاليا سوى السيسى، كثيرون يستحلفونه أن يحكم مصر لأنه الوحيد الذى استطاع أن «يعلِّم على الإخوان»، وإذا ما عاد الحكم العسكرى لمصر -حتى لو عاد متنكرا فى زى مدنى- فسيكون الإخوان هم واضعى حجر أساس هذه العودة.
أهل الثورة والثوار تتبخر عزيمتهم مع كل ارتفاع فى بناء تمثال السيسى اعتمادا على معاول الإخوان، تتهاوى أحلامهم بدولة مدنية متقدمة لا يحكمها رئيس له ذيل (سواء كان الذيل شلة أصدقاء فاسدين أو تنظيما بمرشد أو كيانا بزىّ موحّد).
كل جملة صحيحة سياسيا ولغويا تتحدث عن حق التظاهر السلمى حتى بالنسبة إلى من كانوا خصوم الأمس تُقابَل بالتخوين من عموم المصريين وتُقابَل بالتلميح بالخنوثة السياسية من النخبة. كل دعوة للتصالح مع قطاع من المصريين تُقابَل السخرية والتهكم واتهامات الغباء والدعوة لقطع هذه الألسنة، صارت الموضوعية مدعاة لهدم مَن يتبناها فهو إما طابور خامس وإما عميل وإما متلقٍّ للتمويل وإما خلايا نائمة.
ليت الأمر يتوقف عند هذا الحد بل إن الإخوان أيضا يزايدون على هذه الطائفة إذا كانت موضوعية أهل الثورة أقل حِدّة مما يجب، أقل حِدّة بمعنى أنها تهاجم حكم العسكر دون أن يخل هذا بأن الإخوان هم الذين قادوا أنفسهم والآخرين إلى هذه النقطة،
لا.. الإخوان عايزينك تهاجم العسكر وبس وماتجيش ناحيتهم، فإذا (جيت ناحية أخطائهم) فيالك من شخص ضميره مات (إزاى تغلّطهم؟ أنت مش شايف كل الأعداد اللى ماتت؟)، فكانت النتيجة أن انفضّ مَن حول الإخوان ومَن حول الموضوعية بعض أهل الثورة، والتزم بعض منهم الصمت اكتئابا، أما الباقون فيجمعون كل يوم ما يكفى ويزيد على الحاجة من العزل والإقصاء والاستهزاء.
حتى الدعاة لعدم محاكمة المدنيين عسكريا أصبحت مهمتهم أكثر صعوبة وكل الشاشات تقول «مصر تحارب الإرهاب»، أصبحوا هم أيضا من طائفة «اللى عايزين يخربوها» وأصبحوا بينما يبحثون عن العدل الطبيعى يبدون فى عيون كثيرين كأنهم أنصار لهذا الإرهاب.
حتى المتعاطفون مع الإخوان من عموم الشعب صاروا يعجزون عن استكمال المهمة أمام شعارات من نوعية «كرداسة رمز الصمود» و«الدعوة لإسقاط الجيش المصرى» و«الشهدا فى القلب يا مفتى يا ابن الكلب» بخلاف التفجيرات المتكررة والحرب فى سيناء والقنابل التى يتم إبطال مفعولها كل يوم. أداء الإخوان صعَّب الأمر على كل من يتلمس الطريق إلى ما يرضى ضميره،
أو كما قال الدكتور محمد المخزنجى إنها «لحظة ملتبسة»، مَن الذى قادنا جميعا إلى تلك «اللحظة الملتبسة»؟ راجع نشاط الإخوان من أول يوم بعد التنحى. طيب.. مَن المستفيد الوحيد من هذه «اللحظة الملتبسة»؟ راجع أوبريت «قد الدنيا».