أتذكر أننى فى مثل هذه الأيام قبل نحو 15 عاما كتبت مقالا على صفحات مجلة «روزاليوسف» عن أفلام أكتوبر مثل «بدور» و«الرصاصة لا تزال فى جيبى» و«الوفاء العظيم» وهى أعمال فنية تاجرت بملحمة الانتصار العظيم وأنهيت المقال بالإشارة إلى فيلم قادم وهو «حائط البطولات» إنتاج وزارة الإعلام والمنتج المنفذ عادل حسنى، صدر العدد بعد حذف كل ما هو متعلق بحائط البطولات، سألت فقالوا لى إن هناك تعليمات من الأمن القومى تمنع مجرد الإشارة للفيلم، ومن بعدها بات معلوما أن مبارك لا يريد لهذا الفيلم أن يرى النور، لأنه يتناول بطولة قوات الدفاع الجوى وتحديدا المشير محمد على فهمى الذى أدى دوره محمود يسن، وأن الأجهزة الحساسة فى الدولة لا تريد إثارة غضب الرئيس.
لم يكن هناك من يجرؤ من فريق العمل أن يذكر السبب الحقيقى وراء تأجيل الفيلم، ولكن بعد ثورة 25 يناير صار من الممكن أن نكشف جانبا من الحقيقة، وروى لى المنتج عادل حسنى هذه الواقعة التى جرت بينه وبين مبارك.
حسنى مبارك: على فكرة أنا صاحب الضربة الجوية ما حدش قالك قبل كده.
عادل حسنى «مرتجفا»: طبعا يا فندم أنا عارف.. كان عادل حسنى فى ذلك الوقت 2001 يشغل على حد قوله موقع المستشار السياحى فى رئاسة الجمهورية والمكان هو قصر الإليزيه وبحضور كثيرين مثل إبراهيم سعدة وسمير رجب وزكريا عزمى وآخرين.. كان المعروف أن حسنى مبارك غاضب من الفيلم، ولهذا بعد أن بدأ الاستعداد لعرضه كان هناك من يتدخل ويضع العراقيل بحجة أن جهات سيادية لا تريد للفيلم أن يرى النور، حاول المنتج بعد ذلك أن يعلن فى الجرائد إرضاء لمبارك أنه سيغير عنوان الفيلم إلى «نسور الجو» وأنه سوف يؤدى دور حسنى مبارك وبالفعل نشرت له الجرائد صورته، وهو يرتدى زى اللواء طيار حسنى مبارك، ولكن هيهات، رئاسة الجمهورية كانت قد حسمت موقفها بمنع «حائط البطولات» من التداول!!
ليست إذن هذه مجرد شائعات، فلم يكن حسنى مبارك يعتقد فقط أن الضربة الجوية هى التى حسمت انتصار أكتوبر، بل كانت قناعته أن الضربة الجوية تساوى مبارك، بل إن بعض المنافقين أوهموه أن مصر كلها تساوى مبارك ولهذا صار من حقه أن يورثها لابنه!!
قبل أشهر قلائل من خلع مبارك كانت وزارة الإعلام تعد فيلما عنوانه «الضربة الجوية» وأتصور أن الكل كان يريد أن ينعش الرئيس بعد أن عرفوا مفتاحه، فلا بأس من أن تتولى الدولة الطبطبة والدلع. ورشح أحمد شاكر لبطولة الفيلم الذى كان يمجد بالطبع مبارك، وبمجرد رحيله فكروا فى إنتاج فيلم عن حياة مبارك وأيضا يؤدى دوره شاكر لكى يفضح العقود الثلاثة التى اغتصب فيها هو والعائلة والحاشية مصر.
منذ خلع مبارك ستكتشف أن الجميع كانوا مناضلين ضد عهده البائد، ولكن هذه قصة أخرى، دعونا نكمل الآن حكاية «حائط البطولات».. مع اقتراب احتفالات أكتوبر قبل عامين وحالة من البهجة تنتاب صناع الفيلم، بعد أن تم تحطيم المانع الذى كان يشبه خط «بارليف» ويحول دون عرضه، كان قد أتيح لى مشاهدة الفيلم ربما قبل نحو عشر سنوات من خلال لجنة اشتركت فيها مع الدكتورة درية شرف الدين وكانت وقتها تشغل موقع نائب رئيس قطاع الإنتاج، وكان رأينا أن الفيلم لا يصلح للعرض الجماهيرى لضعف مستواه الفنى، نعم كان لدى مبارك أسبابه التى تحركها الغيرة العمياء، ولكن كنت أرى الموقف من زاوية أخرى، وأعتقد أن أى محاولة لإصلاح الفيلم ستصبح استنزافا للطاقة وإهدارا للمال العام!!
فى نهاية 2011 تقدم وزير الإعلام الأسبق أسامة هيكل للقوات المسلحة بطلب رسمى لكى تدعم الفيلم ببعض مشاهد توثيقية، وبالفعل مخرج الفيلم محمد راضى أعاد المونتاج معتقدا أنه قادر على إحياء عظام الفيلم وهى رميم، لا أتصور أنه من الممكن إنقاذ «حائط البطولات» بإضافة لقطات أو إحداث تغييرات فى تتابع الأحداث. الإنقاذ الوحيد له أن يظل فقط فى الذاكرة الشعبية دليل إدانة ضد مبارك، نعم مبارك ناصَبه العداء هذه حقيقة، ولكن الحقيقة أيضا أننا بصدد أكذوبة فنية رديئة اسمها «حائط البطولات»!!