عندما أستمع الى أحد المحللين أو السياسيين الجدد وهو يقول بملء فمه وبكل ثقة إن الإخوان قد انتهوا وإن الشعب لفظهم، أتذكر قصتين.
القصة الأولى حدثت قبل انتخابات برلمان 2005، وكان بطلها أحد القيادات السياسية فى عهد الرئيس السابق مبارك، والذى كلف إحدى الجهات المتخصصة بإجراء استطلاع رأى حول شعبية الإخوان فى الدوائر الانتخابية، وجاءت النتيجة أنه لن ينجح لهم أى مرشح. ثم أجريت الانتخابات وحدثت مفاجأة فوزهم بـ88 مقعداً. وفى محاولة لتفسير التناقض بين نتيجة الاستطلاع ونتيجة الانتخابات ذكر القائمون على الاستطلاع أن المبحوثين المؤيدين للإخوان ربما خشوا أن يعبروا عن رأيهم الحقيقى وأعطوا إجابة مضللة، أو كانت هناك صعوبة فى الوصول إليهم، أى كانوا خارج نطاق الرادار، والجزء الغاطس منهم أكبر بكثير من الجزء الظاهر على السطح.
القصة الثانية من الجزائر، وبطلها الجبهة الإسلامية للإنقاذ (نظير الإخوان بالجزائر) التى تأسست عام 1988، وخاضت أول انتخابات فى يناير 1989 وهى انتخابات المحليات، حيث فازت بأغلبية المقاعد، وفسر المحللون فوزها بأنه كان تصويتا احتجاجيا على الحزب الحاكم وليس تصويتا للتوجه الإسلامى. وخلال عامين لم تحقق الجبهة أى إنجاز على المستوى المحلى، ومن ثم أعلن المحللون ومعهم النخبة الليبرالية فشل الجبهة وتنبأوا بأن الناخب الجزائرى سوف يعاقبها فى الانتخابات التالية، ولن يصوت لها استنادا للنظريات المتعلقة بالسلوك الانتخابى الرشيد. وجاءت المفاجأة وفازت الجبهة بأغلبية ساحقة فى انتخابات البرلمان فى ديسمبر 1991. وأعقب ذلك إلغاء التجربة الديمقراطية برمتها. وحار المحللون فى تفسير هذا الفوز رغم فشل تجربة الجبهة فى الحكم. وتحدث بعضهم عن أن سلوك الناخب فى العالم العربى قد لا تفسره النظريات المتداولة فى الغرب. وأن الخيار الإسلامى قد لا يرتبط كثيرا بأداء الإسلاميين فى الحكم.
العبرة من هاتين القصتين هى أن الأمنيات والنظريات قد تقودنا إلى خداع الذات وإلى نتائج تبتعد عن الواقع. والواقع هو أنه رغم فشل تجربة حكم الإخوان والتعامل الأمنى والقضائى مع قياداتها، إلا أن الأساس الذى قامت عليه الجماعة مازال قائما لحد كبير سواء الفكرة أو التنظيم أو التمويل.
ويصبح السؤال: كيف نتعامل مع هذا الواقع؟ وهنا يجب أن نفرق بين سياسات طويلة الأمد أهمها بلورة فكرة تواجه الفكرة الإخوانية، وتبنى سياسات تنموية تستهدف مكافحة الفقر والبطالة وتحد من تدفق العضوية للجماعة.
أما على المدى القصير، والمقصود به الانتخابات البرلمانية القادمة، فمن الضرورى تبنى عدد من السياسات التى أدى غيابها الى تعظيم المكاسب الانتخابية للإخوان، وأهمها:
1- لن أمل من تكرار أن النظام الانتخابى الأمثل للتعامل مع الإخوان هو النظام الفردى ذو الدوائر الصغيرة (نصف دوائر 2010)، والتى يمثلها نائب واحد، وما يرتبط به من إلغاء نسبة العمال والفلاحين. وأى نظام آخر يترتب عليه توسيع حجم الدوائر، بما فى ذلك نظام القوائم، سيزيد من فرص الإخوان.
2- من المهم التنسيق الانتخابى والتعاون بين مرشحى القوى التقليدية الذين ارتبطوا بالدولة فى العهود السابقة وبين القوى السياسية الجديدة، فالجانب الأكبر من القوى التقليدية لا تشوبه أى ممارسات للفساد، كما أنه يملك الخبرة الانتخابية ورصيدا من الخدمات والنفوذ المحلى، وكان حائط الصد الأساسى فى مواجهة الإخوان، لذا سعت الجماعة إلى تشويه سمعتهم وعزلهم سياسيا حتى تخلو لهم الدوائر الانتخابية وهذا ما تحقق بالفعل، ولكن للأسف وقعت بعض القوى المدنية فى الفخ الإخوانى وشاركت فى حملات التشويه، وهو ما يجب ألا يحدث مرة أخرى.
3- من المهم إعادة الاهتمام الإعلامى مرة أخرى بسجل الإخوان فى عهد مرسى، وتوثيق سياسات التمكين والاستحواذ التى تمت فى عدد من الوزارات التى تولتها قيادات إخوانية، وكيف تم استخدامها لخدمة أغراض الجماعة وليس الوطن كما حدث فى وزارات التنمية المحلية والشباب والتموين على سبيل المثال. وكذلك التعامل الإعلامى مع عودة الإخوان للترويج لفكرة أنهم ضحية، وهو أسلوب برعوا فيه لسنوات طويلة.
وأخيراً، فالهدف ليس إقصاء الإخوان ولكن احتواء الجماعة خلال هذه المرحلة الانتقالية. ويصبح الدمج الكامل للإخوان مرتبطا بحدوث مراجعة فكرية داخل الجماعة، وظهور قيادات جديدة تؤمن بهذا الفكر، ووضع قواعد قانونية تنظم العلاقة بين الدين والسياسة، ولهذا حديث آخر.
* أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة.