احتفال الحكم الإخوانى فى ٦ أكتوبر ٢٠١٢ بدعوة رموز الجماعة التى قتلت محمد أنور السادات فى ١٩٨١ لم يكن حدثا سهلا، ولا مجرد سهو سياسى. لقد كان مقصودا تماما. القصد منه أن الاحتفال احتفال بتدشين رموز الدولة الوريثة، الدولة التى حاولت قلب نظام الحكم فى ١٩٨١ وفشلت، لكنها الآن، وقتها، فى السلطة.
لذلك فإن دعوة الإخوان إلى النزول فى الشوارع للتظاهر يوم ٦ أكتوبر ٢٠١٣ يجب أن يوضع فى سياقه الحقيقى. ليس هذا جزءا من هدف سياسى مشروع يهدف إلى تحجيم نفوذ المؤسسة العسكرية فى مؤسسات الدولة المدنية، لا، هذا جزء من هدف سياسى مختلف تماما، اسمه هدم مؤسسات الدولة «الجاهلية» وإقامة مؤسسات دولة يثرب.
ومؤسسات دولة يثرب لا نعرف عنها إلا ما نعرف من السيرة النبوية، عن دولة قامت فى صحراء شبه الجزيرة العربية، كانت تقاتل بالسيف ورجلًا لرجل وليس لديها مشكلة التوازن النووى، وتفرض قوانينها بالوحى الإلهى، تحت مظلة حاكم نبى، لا تحتاج إلى الديمقراطية والشرعية الشعبية الحرة، كانت تتنقل بالعير، لم يكن العالم يفد عليها ويغادرها كل يوم وساعة ودقيقة من خلال وسائل الاتصالات، لم يكن لها نظام تخطيط مدنى وقد كان معروفا فى الإمبراطورية الرومانية السابقة عليها، ولا اقتصاد تصنيعى وما بعد تصنيعى، ولا كانت معنية بخطط استثمار وقوانين تجارة، لم يكن لها مؤسسة تعليمية وقد كانت المدارس معروفة قبلها بزمان فى الحضارتين الإغريقية والرومانية، كما لم تكن خاضعة لقوانين دولية، لأن النظام العالمى وقتها لم يكن كذلك.
أما قوانينها المحلية فإنها تفرق بين مواطنيها على أساس الإيمان فتفرض على بعضهم جزية وتجعل دية بعضهم أقل من دية غيرهم من أبناء الدولة، وذلك لأن بنوة الدولة وقتها كانت تكتسب بالدين وليس بالمواطنة على الحال الذى نسعى إليه فى عصرنا الحالى. ولن نتحدث عن العبيد.
كل هذا يجعل دولة يثرب ليست «مناسبة» لعصرنا. ليس فى هذا أفضل وأسوأ، بل أنسب. النبى اختار فى أمور السياسة ما رآه مناسبا لعصره وأعرافه وأدواته وقوانينه. ونحن نختار فى أمور السياسة ما نراه مناسبا. ليس فى هذا فصال ولا استعداد لقبول أى نوع من الابتزاز. دولة يثرب ليست مناسبة لتنظيم مرورنا، ولا لتنظيم تخطيطنا المدنى، ولا لسن قوانين الجمارك والضرائب، ولا لخطط الرى والتنمية. ليس لديها إجابات. وكذلك الحال فى الجانب العسكرى. الذى لا تملك دولة يثرب إجابات عنها، لا فى مفهومه الحديث المدرك لأدواته الحديثة، ولا فى تشريعاته، ولا فى اختياره لحلفائه وتصنيفه لأعدائه. هذه منظومة متكاملة تعمل معًا وتصان بقطع غيار تنتمى إلى عصرنا الحالى. وليس إلى عصر «جيش محمد». إننا نشكو من سيارتنا ذات الموديل القديم، لكننا لا نريد أن نتخلص منها إن كان البديل دابة.
فى ظل هذا فإن شعار «خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود»، موجه إلى إسرائيل فى الظاهر، ولكن إلى الدولة المصرية أيضا فى الباطن. خطاب يقول للجماهير لكى نصل إلى تل أبيب لا بد أن نملك جيش محمد، وقوانين جيش محمد، والعقيدة القتالية لجيش محمد، الذى نشأ فى القرن السابع الميلادى. خطاب يتكرر بصيغة أو بأخرى على كل مستويات المشتغلين بالدين، الجهاديين منهم والمعتدلين. وعلى عاطفية العبارة فإنها فى الواقع العملى مدمرة. للأسباب التى ذكرتها أعلاه. ولسبب آخر يخصنا داخليا، يخصنا فى نضالنا من أجل بناء دولة عصرية. إن الساعين إلى هدم الجيش المصرى لصالح إنشاء جيش محمد يسعون إلى هدم الدولة المصرية وإقامة دولة «أمير المؤمنين». هؤلاء ليسوا شركاء لأنصار الديمقراطية فى الهدف على أى مستوى. حتى إن تشابهت الشعارات. تحججنا فى الماضى بأنهم خدعونا. لم تعد هذه الحجة مقبولة الآن.
نضالنا من أجل تحجيم نفوذ المؤسسة العسكرية فى مؤسسات الحياة المدنية سيستمر، مهما تعددت أذرعها الإعلامية، والسعى لتثبيت مبدأ الرقابة الشعبية على كل مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة العسكرية سيستمر، لأنه، من وجهة نظرنا، لصالحنا وصالح المواطنين وصالح اقتصادنا وصالح فتح سقف الطموح للموهوبين من أبنائنا. لصالح دولة حديثة ديمقراطية تحترم القانون. لكن هذه قضية مختلفة تماما عن عداء الإخوان للمؤسسة العسكرية، والسعى لهدمها، وتجريدها من أى إنجاز، وتحويل يوم احتفالها بإنجازها إلى يوم مواجهة داخلية لها. مسعى الإخوان هذا خطوة أخرى لما بدؤوه وهم فى السلطة، فى احتفال العام الماضى.
المواطنون البسطاء فهموا هذه الحقيقة، لكن بعضا من «العارفين» أغشت أعينهم الشعارات والجمل المحفوظة.