«أبكى.. أنزف.. أموت.. وتعيشى ياضحكة مصر.. وتعيش يانيل ياطيب.. وتعيش يانسيم العصر.. وتعيش ياقمر المغرب.. وتعيش يا شجر التوت.. أبكى.. أنزف.. أموت.. وتعيشى ياضحكة مصر».
على الرغم من عظمة إنتصار أكتوبر وعلى الرغم من امتلائه بالحكايات والدراما والشخصيات البطولية التى تُعد قراءة حكاية أى بطل منهم فيلم سينما فى حد ذاته بدون سيناريو ولا تمثيل ولا إخراج وعلى الرغم من مرور أربعين عاما بحالهم على تلك اللحظة التاريخية.. إلا أن السينما المصرية لم تستطع حتى الآن تقديم فيلم عليه القيمة عن تلك المعركة الحربية الخالدة والتى لو كان عند الأمريكان نصها بس لكانت هوليود قد برطعت وتمطعت وحشدت أضخم الإمكانيات وأهم المخرجين والنجوم من أجل صنع الأفلام عنها..
و لأننا شعب حزين بالفطرة.. يحركه الحزن دائما أكثر مما تحركه الفرحة.. ويستفزه الشجن أكثر مما تستفزه السعادة لذلك لم يجد صناع السينما حتى الآن فى كل تلك المشاهد وكل تلك الدراما وكل هؤلاء الأبطال اللى فى نصر أكتوبر 73 ما يستفزها أو يغريها لعمل فيلم محترم يليق بعبقرية الحدث وبحلاوة النصر.. بينما نجحت نكسة 67 بكل أحزانها وانكساراتها فى إخراج الفيلم المصرى الجميل الذى نستطيع اعتباره فيلما عن الحرب بجد «أغنية على الممر» الذى أنتجته «جماعة السينما الجديدة» وأخرجه «على عبدالخالق» فى 1972 فى عز اليأس والإحباط والانكسار وفقدان الأمل فى خوض الحرب..
إذن نحن أمام انتصار عسكرى غير مسبوق لم يسفر سوى عن مجموعة من الأفلام الحربية الأقرب للكوميديا منها للدراما مثل «الرصاصة لا تزال فى جيبي» و»بدور» حيث محمود يس على الجبهة شعره مسبسب وحيث الجندى لما يموت مش شرط يبقى فيه دم على هدومه وكفاية أوى يقع على الأرض وخلاص على كده وحيث الحياه سهلة ومش محتاجة تعقيد ودخول فى تفاصيل مثل أن الرصاصة عندما تخترق جسد أى شخص ينبغى أن تصنع ثقبا وينبغى أن تخرج من هذا الثقب دماء.. بينما نحن على صعيد آخر أمام هزيمة ونكسة وانكسار شعبى جارف أسفر عن مثل تلك المعزوفة السينمائية الجميلة.. «أغنية على الممر».. مش باقولكوا شعب حزين بالفطرة.. شعب حزين وغلبان وأطيب من الطيبة وعنده مشاكل بالهبل وحياته ملخبطة إلى درجة يصبح معها احيانا غير قادر على مجرد الإستمرار على قيد الحياه فى بلده إلا انه يحبها ويعشقها بتطرف وبفطرة اقرب إلى فطرة شعوره غير المبرر دوما بالحزن وساعة العوء سوف تجدونه مثله مثل تلك الكتيبة فى الفيلم التى استمرت تدافع عن الممر على الرغم من انتهاء الحرب وإعلان الهزيمة واستشهاد 28 من عدد أفرادها المكون أصلا من عدد 30 مقاتل ليستمر الجنديين الباقيين فى موقعهما فى الممر قابضين على بنادقهما فى مواجهة الدبابات الإسرائيلية بينما تتردد فى الأجواء كلمات اغنية الفيلم الجميلة.. «أبكى.. أنزف.. أموت.. وتعيشى ياضحكة مصر.. وتعيش يانيل ياطيب.. وتعيش يانسيم العصر.. وتعيش ياقمر المغرب.. وتعيش يا شجر التوت.. أبكى.. أنزف.. أموت.. وتعيشى ياضحكة مصر».
وإذا كان هذا هو نفسه سؤال كل ذكرى لانتصار أكتوبر.. إزاى لحد دلوقت مافيش فيلم محترم اتعمل عن الحرب العظيمة دى؟!.. فإنه ( اللى هو السؤال ) يكتسب اهمية خاصة فى ذلك العام حيث ذكرى مرور اربعين عاما بالتمام والكمال على انتصار غير موازين القوى فى منطقة الشرق الوسط والعالم.. وحيث ثُلة إرهابية وهمجية وحاقدة ومنحرفة ممن ينتمون بالإسم فقط - وليس بالقلب أو الروح أو العقل - إلى ذلك الوطن يشتركون مع الإسرائيليين فى النظر إلى تلك الذكرى الوطنية العظيمة بمنتهى الغل والحقد والحزن والتمنيات بسقوط – أو على أقل تقدير بتفكيك – الجيش المصرى وتشويه دوره التاريخى الوطنى العظيم.. الإخوان وألاضيشهم ودلاديلهم وأتباعهم والإسرائيليين.. تقريبا دول الوحيدين اللى زعلانين النهاردة.. وتقريبا دول الوحيدين اللى بيتمنوا تحويل هذا النصر العظيم إلى هزيمة.. تصوروا؟!
تعالوا بقى نعمل فيلم عن أكتوبر.. فيلم عالمى وعظيم العالم كله يشوفه ويستمتع بيه.. أنا شخصيا حابدأ بنفسى وحاكتب سيناريو فيلم عن ملحمة «كبريت» وبطولة الشهيد إبراهيم عبد التواب ورفاقه.. وحاعمل زى دون كيشوت وحاحارب طواحين الهوا وأحلم إنه يتنفذ ويتحول لحقيقة.. وطالما انتصار أكتوبر بدأ بحلم.. إذن.. فالحلم هو الإحتفال الأمثل بتلك الذكرى العظيمة.. ذكرى نصر أكتوبر.. كل سنة واحنا بنحلم.