لا أحد يعلم متى تنتهي حالة الضبابية السياسية المشتعلة في أرجاء المحروسة, نقلب صفحات الجرائد فيصدمنا حجم الأخبار الملتهبة التي تشعرنا بأن البلاد تحترق وأنها على شفير هاوية وفي نفس الصفحة تجد الخبر ونقيضه جنبًا إلى جنب, يحار القارئ في تصديق أيهما؟ هل يصدق الخبر المحفوف بالكآبة وانعدام الأمل؟ أم يجنح للسلم فيستسلم لأقل الضررين وينجو بنفسه من براثن اكتئاب بات يمثل شعار المرحلة, فقلما يمر يوم دون تورطه بالأحداث الدامية المقبضة واحتدام الجدل في أروقة العمل والدراسة وحتى مع البائعين, ناهيك عن ختام يومنا ببرامج «التوك شو» التي لاتخلو من مبالغات ومغالاة في عرض قضايا مصيرية تثير الصداع وترفع الضغط, ونكتشف في نهاية المطاف أننا لم نخرج بشيء سوى مزيد من اليأس, نبات ونصحو على كم هائل من الإحباطات والروايات التي لاتنفك تدخلنا في دوامات المجهول, وتجعلنا نضرب أخماس في أسداس كي نصل بفذلكتنا المعهودة إلى الصيغة التي تلائم هوى كل نفس فينا.
حالة انعدام اليقين تنهش تفاصيل حياتنا منذ لحظة استيقاظنا موكلين أمرنا إلى الله وحتى هروب أنفسنا بعد أن يشق الظلام خيوط النهار لتدس كآبتها في وسادة الأحلام المزعجة التي تراودنا طوال الليل, فيجافينا النوم وتذهب عنا راحة البال, ويطل السؤال العالق والمرتبك في أذهاننا عما يحمله الغد فتنقبض قلوبنا, فما بالك ونحن بصدد ذكرى عزيزة علينا مثل احتفالات يوم السادس من أكتوبر.. ترى ماذا ينتظرنا من مفاجآت وعدنا بها الإخوان وتنظيمهم الدولي؟
الإخوان يعدون أنفسهم ويجهزون الشارع إلى المزيد من الفوضى, ربما غير محسوبة، لكنها متوقعة لتكدير المزاج العام, وتفويت الفرصة للاحتفال والزهو بذكرى وطنية مستحقة, وقد بدأت مظاهرها بحشد الرافضين المنكرين للمسيرة السياسية الجديدة في البلاد, فلا يزال الوهم يغيب عقولهم وتصرفاتهم الخرقاء المنشغلة بإثبات الوجود واغتصاب الإرادة من أصحابها الحقيقيين, متجاهلين إرادة الذين خرجوا في 30 يونيو المصممين على التغيير والرافضين لحكم الجماعة, ذلك بالإصرار على سياسة الإملاء عبر الهتافات المنددة بالجيش ومن يسير في ركابه, والمطالبة بالمستحيل «عودة الرئيس المعزول والإفراج عن المعتقلين من قياداتهم المحبوسة على ذمة قضايا مختلفة», التي لن تتحقق بأي حال من الأحوال, يمارسون كل أشكال العنف المعنوي والبدني بقطع الطرق والاحتكاك بالمواطنين واستفزازهم ووضع العبوات الناسفة بدائية الصنع هنا وهناك لبث الذعر وإشاعة الفوضى, بالاشتباكات المفتعلة والدموية أحيانًا في الجامعات والمدارس والشوارع, بالكتابة على الجدران شعارات مناوئة للفريق السيسي, بإعادة إنتاج ماقبل فض الاعتصامين في رابعة والنهضة وتشويه ما تمت إعادة ترميمه بملايين الجنيهات في ميدان النهضة من قوت الشعب ودافعي الضرائب, بالمحاولات الجارية على قدم وساق للوصول أيضًا إلى «رابعة»، كي تلقى نفس المصير, بالتخطيط ليكون ميدان التحرير مقصدهم لتخريب هذه الذكرى المجيدة, بالتهديد والوعيد والترهيب لكل متقاعص عن تنفيذ مخططاتهم التخريبية التي تبدو في ظاهرها عقائدية خالصة, غير أنها تحمل في رحمها جنين مشوه الهدف منه الضغط على الدولة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب في مفاوضات محتملة, بضغوط خارجية لإرغام الدولة على الاعتراف بوجودهم كقوة قانونية لها الحق في دخول الانتخابات المقبلة والإعلان الواضح والصريح بأن ما حدث في 3 يوليو هو انقلاب بكل ما تحمل الكلمة من معنى كما أعلنت كاثرين آشتون في مبادرتها خلال زيارتها الأخيرة للقاهرة, ويعزز ذلك اعترافات مرشدهم د. محمد بديع الذي أقر للمرة الأولى بأن ماحدث في 30 يونيو «إرادة شعب» غير أن الثالث من يوليو هو «انقلاب»!
ليس من حق أحد أن يفسد فرحة الشعب بعيده الوطني الذي رد عليه كرامته المسلوبة بعد هزيمة غادرة, ليس من حق أحد أن يصنف انتصارات أكتوبر وكأنها من عمل الشيطان لاتخص وطن ولا عقيدة ولا انتماء, محاربتهم للقوات المسلحة لتقويضها وكراهيتهم للسيسي أضافت عنصرًا جديدًا لنفور المواطنين منهم، فما بالنا وهم يحاولون إجهاض الاحتفال بمناسبة وطنية غالية والتشكيك فيها, فإلى أي منقلب ينقلبون.
كل يوم يخسر الإخوان معركة ويكسبوا هزيمة جديدة, يفقدوا مؤيدين أو متعاطفين، فعندما يتعلق الأمر بوحدة الوطن وأمانه واستقراره، فبالتأكيد ستكون المعركة خاسرة مهما كانت التضحيات ومهما كانت خطورة المواجهة.