هل نحتاج إلى ثورات أخرى لكى نتعلم من أخطائنا؟
هل يقتضى الأمر إراقة دماء أوفر. وشهداء أكثر حتى نعترف بأخطائنا ولا نكابر فى مواجهتها؟
لقد كتبت شهادتى فى هذا المكان فى أعقاب ثورة يناير حين رأيت الأخطاء تتوالى فى تحقيق مطالبها. فلخصتها فى العنوان حين قلت «إنها ثورة بلا قيادة. وقيادة بلا ثورة» فقد كانت يناير ثورة شعبية بلا قيادة. وحين اختاروا لها قيادة يسندون لها الأمانة لتحقيق مطالب الثوار. جاءوا بها من خارج الصفوف. من الذين يشهد تاريخهم بإجادة فنون المساومة وتقديم التنازلات والتمسح فى أعتاب السلطة والمواءمة مع مطالبها. فكان طبيعياً أن يأتى عصام شرف - ربيب جمال مبارك ولجنة السياسات - رئيساً لأول حكومة.. ثم الجنزورى - رجل كل العصور والعهود - وكان منطقياً أيضاً أن يأتى مرسى وإخوانه على رأس الحكم ومعهم سلفيو أمن الدولة لتبريد الثورة و«تسقيع» مطالبها.. فقامت ثورة يونيو على هذه الأوضاع المخلة والمختلة. على أمل أن تعود الثورة إلى أيدى صناعها. فإذا بالأمر لا يختلف عما سبقه. فجىء بحكومة من مخلفات ثورة 1919، ثم جىء بلجنة لعمل دستور من مخلفات الاتحاد الاشتراكى، برئاسة دبلوماسى عتيق يجيد فنون الإسكات والترضية!
ولجنة الدستور التى يرأسها هذا الدبلوماسى المعروف بالترضيات وشراء الخواطر. فكان طبيعياً أن يتمخض عملها عن دستور تغلب عليه هذه الصفات الدبلوماسية. فأبقى على مجلس الشورى- أو مستودع الكهنة- ترضية لمن لم «يصبه الدور» من الطامعين فى مجلس الشعب. لتصبح عضويته- كما كانت دائماً- ثمناً للسكوت وسد الحنك... وإمعاناً فى التحايل- وهو عنصر أساسى فى فن الدبلوماسية- أطلقوا عليه اسم مجلس الشيوخ للإيحاء وهماً بأن مجلس الشعب هو مجلس الشباب، مع أن المجلسين معاً هما مجلس واحد للشيوخ فقط!!
كذلك فقد أبقت اللجنة الموقرة على نسبة العمال والفلاحين لتكون الباب الخلفى لدخول كبار ضباط الشرطة والجيش وغيرهم من أصحاب الياقات البيضاء إلى مجلس الشعب اغتصاباً لحقوق العمال والفلاحين الحقيقيين. كما سيتم الرضوخ لمطالب حزب النور إرضاء للسعودية والرضوخ لمطالب الإخوان إرضاء لأمريكا. وسيبقى منصب المحافظ بالتعيين وليس بالانتخاب إرضاء لكبار ضباط الجيش والشرطة كمكافأة لنهاية الخدمة، وشهادة بحسن السير والسلوك.
ثم بعد ذلك كله مطلوب أن نقول نعم للدستور.. نعم للاستهبال.. نعم لتبريد الثورة وتسقيع مطالبها.