هتف عدد من المثقفين خصوصا الشباب منهم قبل يومين فى المسرح الصغير بدار الأوبرا فى مؤتمر المثقفين ضد صابر عرب «يسقط وزير الفساد وقاتل المواهب»، قاطع بعضهم بالفعل المؤتمر الذى عقد تحت رعاية بهاء طاهر، ولكن الأغلبية أكملت المسيرة مع الوزير.
ليس لدىّ آمال فى عدد كبير من كبار المثقفين، مع الأسف هؤلاء أصبحوا برجماتيين فى تحديد علاقتهم بالدولة وتحديدا وزارة الثقافة، البوصلة التى توجههم لا يتجاوز مؤشرها عادة ما الذى سوف تمنحه لهم الوزارة، هدفهم هو أن تتواصل حبال الود وعندما يستشعرون أن الحبل ليس ممدودا بما يكفى تبقى يا داهية دقى، أغلبهم يتناقض مع نفسه لو تعارضت مصالحه مع الدولة، حتى علاقتهم بالوزير صابر عرب الذى جاء على غير رغبتهم ولا قناعاتهم كان الاتفاق الضمنى الذى ارتضوه هو سوف نغض الطرف ونوافق على بقائك على شرط أن تنفذ ما نطلبه منك، والوزير يعيش فى حالة ضعف وهوان ولهذا يزداد خضوعا لهم، يستند إلى أنه يعرف مفاتيحهم ويتمكن فى اللحظات الحاسمة من السيطرة عليهم. أغلبهم مع الأسف لا تحركه استراتيجية ولديه قصر نظر، حدود رؤيته هى دائرة مصالحه. على الجانب الآخر الوزير يستطيع أن يحتوى أغلبهم وهم سيحافظون له على الكرسى ما دام ازداد خضوعا لهم.
كثيرا ما تكتشف أن الوزير يتخبط فى قراراته عندما قرر مجلس إدارة مهرجان القاهرة تأجيل هذه الدورة لأسباب، كما قال رئيس المهرجان الناقد سمير فريد يعود جزء كبير منها للأمن وافق الوزير دون مناقشة، وعندما أرادت المخرجة والمنتجة ماريان خورى إقامة بانوراما السينما الأوروبية فى نفس توقيت المهرجان 27 نوفمبر وافق أيضا الوزير دون مناقشة.
لو كان الأمر متعلقا حقيقة بالأمن فكيف وافق الوزير فى الحالتين، تستطيع أن ترى أننا نتعامل مع وزير بصمجى ينفذ التعليمات دون مناقشة، واحد عايز يؤجل المهرجان براحته أجله طالما أن هذا يرضيك، ماريان تريد إقامة المهرجان وماله طالما أن هذا يرضيك، إحنا ورانا إيه غير إرضاء المثقفين، طيب وحكاية الانفلات الأمنى يا عم الوزير ألا تتحمل أنت المسؤولية الجنائية والسياسية عنها فى الحالتين؟ فإذا كان التأجيل حتميا كيف تُقام البانوراما، وإذا كان ليس حتميا فكيف توافق على تأجيل مهرجان القاهرة فى وقت الدولة تريد فيه إيصال رسالة تؤكد للعالم أن الحياة آمنة فى ربوع المحروسة؟
الرجل لا يفعل شيئا أكثر من كسب ود قطاع كبير من المثقفين. هل من الممكن مثلا أن نتصور بأن مؤتمر المثقفين سوف يسفر عن شىء، أبدا ولا حاجة، هو فقط وضع فى الواجهة اسم بهاء طاهر الذى كان واجهة ثورة المثقفين فى اعتصام شجرة الدر فى أثناء احتجاجهم على الوزير الإخوانى والسلطة الإخوانية، وهكذا منح المؤتمر قيمة أدبية بهذا الاسم الذى يجمع بين البهاء والطهر ولكن ماذا بعد، لا شىء، كلام كلام -كما قالت صباح- ماباخدش منك غير كلام.
الأمور تتشابك بين المثقف والسلطة، هم كانوا ومع الأسف لا يزالون يرتضون بالجزرة، وبعد الثورتين لم يتغيروا، أغلبهم ينتظر شيئا من الوزير، لجنة يشارك فيها، تذكرة سفر مجانية، كتاب ينشره، مهرجان يذهب إليه، جائزة يُرشح لها. الرجل يمتلك فى يده عديدا من الأوراق، فلم يسأل أحد كيف صمت أغلبهم عن تعيينه مجددا للمرة الثالثة وزيرا للثقافة، برغم أنهم كانوا يحملون فى أياديهم بيانا واضحا وقعوا عليه يطالبون بإقصائه، هل يجرؤ أحد منهم الآن على أن ينشر أو حتى يشير إلى هذا البيان؟ أبدا لن يرى هذا البيان النور لأنه فى الحقيقة يفضح تواطؤهم قبل أن يفضح فساد الوزير، فلو كانت لديهم أهداف عامة وليست مصالح صغيرة لأصروا على موقفهم بضرورة إبعاده عن الوزارة، ولكن مصالحهم هى التى دفعت بهم لكى يتحولوا إلى قمصان واقية للدفاع عنه، ولا أستبعد فى ظل وجود عدد من الوجوه التى تصدرت مشهد الاحتجاج والغضب فى أثناء اعتصام المثقفين أن تجد مظاهرة تتجه إلى الرئيس القادم تريد التجديد للوزير لرابع مرة.
ويبقى الأمل فى عدد من الشباب الذين لم يتلوثوا بل تستطيع أن تقول إنهم غير قابلين للتلوث، فلن يقايضوا أحدا مهما كان الثمن. نعم يحيا المثقف الذى يواجه الفساد، ويسقط المثقف الذى لا تزال عينه على «تورتة» الوزارة.