ما أذاعته شبكة «رصد» حتى الآن من فيديوهات «مسربة» لاجتماعات شارك فيها وزير الدفاع عبد الفتاح السيسى، متحدثا على المنصة، فى ميكروفون، والتى يعود تاريخها إلى شهر ديسمبر الماضى، فى أثناء حكم محمد مرسى، لا تخدم من وجهة نظرى إلا غرضا واحدا، هو تقديم رؤية السيسى فى عدد من المواضيع المثيرة لجدل، أو مخاوف، عند هذا الطرف أو ذاك.
بمعنى آخر، الرسالة فى هذه الفيديوهات كالتالى: «عايزينى أنزل رئيس، طيب آدى رؤيتى علشان ماحدش يتفاجئ».
ورؤيته تلك حتى الآن خطاب موجه إلى المؤسسة العسكرية: «نحن ندرك مخاوفكم، ولسنا غافلين عن التحرك بشأنها، لكن الأمور تغيرت والأساليب تغيرت، ولا بد أن تدركوا أنتم أنفسكم ذلك. لن نتمتع بغطاء الحماية الذى كنا نتمتع به من قبل. ولن تكون لنا يد مطلقة فى الإعلام، نتحكم بها فى كل صغيرة وكبيرة ولو كان اسم عسكرى فى نَعْى. لكن هذا لا يعنى أننا لن نسعى إلى استمرار النفوذ بوسائل جديدة».
ثم خطاب موجه إلى المواطنين والمؤسسة فى آن: «الاقتصاد مش حمل تدليع، ومافيش حد، ولا أنا، هيدلعكم. مافيش حاجة ببلاش. تاخدوا خدمة تدفعوا تمنها، سواء كنتم المؤسسة العسكرية أو المواطنين. وبنص كلام السيسى: (عايز خدمة لازم تدفع تمنها، وإنتو كمصريين لازم تتعلموا ده وإحنا، كجيش، قبلهم لازم نتعلم ندفع مقابل الخدمات).
هيه ياللى جوه المؤسسة عايزين تصدرونى وتشيلونى الشيلة، استبينا؟ هيه يا مواطنين ياللى بتقولوا السيسى السيسى، استبينا؟».
ثم رسالة إلى الجهات الأمنية: لقد خُلق وضع جديد فى العلاقة بين الشرطة وحق التظاهر، لكنه لن يصل إلى حد محاكمة ضابط تسبب فى أثناء مواجهة المظاهرات فى إصابة عين متظاهر أو مقتله، بعد أن تعرضت الشرطة لضرب بالغاز أو الخرطوش.. نص كلامه: «لكن مش ح يصل بيه إنه يستعد إنه يضربك بغاز وقنابل وخرطوش، حد يموت أو حد يحصل له حاجة فى عينيه يتحاكم الظابط أحمد، لأ مش ح يحصل خلاص، وأنا عاوز أقول لك إن المتظاهرين قد أدركوا ذلك».
وهذا الفيديو يتميز عن الأخرى بأنه قصير جدا، ومساحة الكت أوى فيه كبيرة، بما يوحى بأنه تعرض لقص ولزق، لكى تكون الرسالة قصيرة.
فى حدود هذه الرسائل فقد أدت الفيديوهات «المسربة» غرضها فى تقديم السيسى للجمهور المستهدف، وفى تدشين حملة السيسى الرئاسية، بشروطه. فرغم التهويل الإخوانجى المعتاد، والادعاء بأن هذه فيديوهات مصورة ومسربة من قِبل (ضباط ضد الانقلاب)، فإن كل ما يحيط بالفيديو يشير إلى أنه فى مصلحة السيسى لو أراد، لو قرر، أن يستجيب للضغوط ويدخل المنافسة على الرئاسة. على حد تعبير أحدهم: «السيسى بيتكلم فى السر أحسن ما بيتكلم فى العلن». وتعليق آخر من قريبة لى: «مش زى مرشحين الرئاسة اللى الواحد فيهم حافظ لى كلمتين ويطلع يقولهم».
أى أنه فى الوقت الذى يختفى فيه مرشحو الرئاسة المدنيون، وتغيب رؤيتهم، ويتشكك الناس فى قدرة أى منهم على الإمساك بالخيوط المتشابكة مع كل مؤسسات الدولة فى يده، فإن الفيديوهات المشار إليها أظهرت السيسى فى صورة الشخص الودود، القادر على تبليغ كل جهة فى الدولة، ولا سيما المؤسسة العسكرية، بما يراه، والمتفهم فى ذات الوقت للمتغيرات التى حدثت بعد «ثورة ٢٥ يناير»، والمعترف بها، والراغب فى التعامل بموجب الوضع الجديد الذى أفرزته، فى نفس الوقت الذى لا يسمح فيه بتجاوز الحدود واستخدام العنف مع مؤسسات الدولة، بينما تكون مشلولة فى الدفاع عن نفسها، والذى لا يجامل على حساب مصلحة البلد «ماعنديش حاجة ببلاش». هذا ما أظهرته الفيديوهات، لا أعرف شيئا عن الطبيعة الشخصية للسيسى إلا ما يُكتب فى إعلام موجه، سواء من مؤيديه أو معارضيه.
فيه إيه أكتر من كده دعاية للسيسى؟! هل فيه حد من المرشحين المدنيين يقدر يقنع الناس بأن لديه نفس الكفاءة؟! المهم إنه «يقنع الناس».