أغنية «تِسلم الأيادى» انطلقت بقوة صاروخ قلب شعب.. كلمات بسيطة صادقة للشاعر مصطفى كامل فجّرت وأكدت مشاعر أفراح ثورة 30 يونيو. غناء وانفعال المجموعة الحماسى كان منافسا فى الصدق، فأصبحت الأغنية هى الصلاة الشعبية الموحّدة لكل المصريين. صلاة شكر وابتهاج وردِّ جميل وحبِّ وطن، وأمل وثقة بغد مشرق ما دامت مصر فى عيون وقلوب جيش بلادى.
الأغنية تحولت إلى نشيد شعبى، كل كوبليه هو كيس دم يمنح حياة جديدة ويجدد الأمل والعزيمة، لكن المحزن أن نفس هذه الأغنية أصبحت مصدر هَمّ وغَمّ وغضب وانتقام الإخوان المسلمين وأتباعهم. الأغنية تكشف الهوية.. مصرىّ أم إخوانىّ؟ أغنية وضعت الإخوان فى خندق الغاضبين أعداء الوطن ولخّصت الانتماءات وكشفت العقول ومستوى الإدراك والوعى. فمن البديهى أن الجيش هو حامى حدود الوطن ودليل قوته وهيبته وصمام أمنه وأمانه، ورمز الكرامة الوطنية، فلماذا يعاديه الإخوان؟ ولماذا يصدقهم أتباعهم خصوصًا تلاميذ المدارس وشباب الجامعات؟ما علاقة المعتقد الدينى بمعاداة الجيش؟!
فى مسيرات الجمعة الماضية حدثت اشتباكات بالأغنية، نجَمَ عنها ضحايا خرطوش وحجارة وقنابل.. متظاهرون غاضبون لوّثوا أسوار وأبواب الكلية الحربية بأسوأ الشتائم للسيسى.. الجيش أصبح عدوا فى وطنه! وفى أول أيام الدراسة مرَّت أمامى مجموعة من التلاميذ رافعين علامة رابعة يدقّون على طبلة طبول الحرب، يتوعّدون بالاعتصام ضد الجيش يوم عيده فى 6 أكتوبر القادم! تمنيت أن أسألهم: مَن تحاربون ولماذا؟! بحثت عن وزير التعليم، فوجدته فى جولات إعلامية مصوَّرة للإيحاء بأن ولادنا بخير.. آسفة يا وزير التربية والتعليم.. أولادنا فى خطر ومهمتك ليست التجوال والتفقد بالكاميرات أو تمييز أولاد الشهداء اللواءات بنفسك أنت والمحافظ، إنما مسؤوليتك هى الحوار مع التلامذة الغاضبين، وإصلاح المفاهيم الخبيثة والمغلوطة عن العدو والصديق ومعنى ودلائل الوطنية، وقيمة أن تعيش فى وطن آمن قوى متحضر ومنتِج. اجمعهم وأنصت إليهم وصِفْ لهم أيام المهانة والمذلَّة والحزن فى كل بيت فى مصر بعد هزيمة 67. احكِ لهم عن الخسائر، عن أولاد أكثر من خمسة عشر ألف شهيد مصرى قُتلوا، بل حُصدوا، فى ست ساعات قبل أن يشتبكوا مع العدو، وعن آلاف الأسرى والجرحى، وعن الناجين الذين نجحوا فى الهروب من جحيم الموت وساروا أياما وأميالا فى صحراء سيناء فى لهيب يونيو، ووصلوا بيوتهم نازفين مخزيين.. وعن أفراح إسرائيل باحتلال سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان... احكِ لهم عن الثمن الغالى الذى دفعته مصر، جيشًا وشعبا، لاستعادة الأرض التى ارتَوَت بدماء شهداء هزيمة 67 ونصر أكتوبر 73. اشرح لهم أن سيناء هى أخطر حدود مصر وصمام أمنها، وأنها ليست قطعة أرض صحراء، إنما هى قلب مصر لحمًا ودمًا، هى تاريخها وكرامتها وقوتها، وأن الإخوان بقيادة مرسى رئيسهم حوّلوها إلى بؤرة إرهاب للمصريين، وجسر لن يكتمل لتحقيق وَهْم تكوين إمارة إسلامية تعيد لتركيا أمجاد العثمانيين.
يا سيادة وزير التربية والتعليم انتبه إلى خطواتك، الحوار أهم من الامتحان النظرى فى كتب الوزارة.. إنقاذ أولادنا من استغلالهم وقودًا وضحايا لجماعة لم تقدم أى خير لمصر هو الأهم، واسمح لى أن أتحفظ على قرار مجانية التعليم والكتب لمدارس الحكومة لهذا العام. هل هذا البند سيحدث فرقًا للأسرة المصرية يعادل ما سوف تتحمله ميزانية الدولة غير القادرة على الخروج من حجرة الإنعاش.. ثم وهذا ما أثار قلقى، هذا القرار الذى ظاهره الرحمة هو نفس مخطط الطيب أردوغان الذى مارسه فى تركيا لاستقطاب الفقراء قبل كشف وجهه الحقيقى، وهو خطة استعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية خارج حدود تركيا. أردوغان أعفى الفقراء من مصاريف الدراسة والكتب، ووزَّع الزيت والغاز مجانا وبنى لهم مساكن نظيفة، ليس حبًّا ورحمة بل شراءً وحشدا لليوم المنشود.. يوم يطبق الشريعة كما مارسها المتطرفون فى قندهار وباكستان وإيران، وأقرب الأدلَّة هو استخدامه العنف المفرط مع المعارضة فى فض اعتصام ميدان تقسيم بأنقرة واعتقال نحو خمسمئة متظاهر سلمى ضد بناء مسجد وثكنات عسكرية فى متنزه الميدان. أردوغان وضع خطة طويلة المدى للوصول إلى هدفه تتفق وطبيعة الشعب التركى العنيد. أما حكم المرشد والإخوان فى مصر فقد استعجلوا مستغلّين جهل واتكالية أغلبية الشعب المصرى وسهولة قيادته بالإرهاب بالدين.
يا وزير التعليم الشعب أَفْشِل خطة تقسيم الوطن بالفتنة الطائفية وحرق الكنائس.. وعليك إنقاذ أولادنا بالحوار والتوعية.. وهنا أقول لك: صوَّر وأَذِعْ.