(1)
نواصل دليلنا للمواطن المصرى حول كيف يمكن له أن يقيّم المنتج الدستورى فى مدى مواكبته للعصر وتلبيته لتطلعات المصريين.. معياران ذكرناهما فى الأسبوع الماضى حول «الدستور العصرى»؛ الأول: مدى انتماء الدستور إلى الجيل الرابع من الدساتير، حيث تُعنى الدساتير بطرق الكثير من الموضوعات ويتناولها تفصيلا من حيث: التعريف، والمؤسسية وحدود العلاقة بين الدولة والمجتمع ودعم دور المواطنين من أجل مواطنة فاعلة. وتكتب النصوص ليس فقط فى إطارها العام وإنما تمتد لتشمل الأطر القانونية الضامنة عدم الإخلال بالمبادئ الدستورية عند التطبيق.. الثانى: هو الوحدة الفكرية التى يجب أن تضبط النص الدستورى من بدايته إلى نهايته وتجعله كما يقولون: «مية واحدة».. ونواصل باقى المعايير.
(2)
ثالث هذه المعايير: هو أن يأتى النص الدستورى متواصلا مع التراث الدستورى الوطنى.. فإذا كتب النص الدستورى بدرجة عالية من التقدم فى وقت من الأوقات لا ينبغى أن يتم الارتداد عن ذلك بكتابة دستورية أدنى مما كانت عليه.. وكأننا نبدأ الطريق من أوله.. ولتقريب الفكرة ندلل على ما سبق بتناول مبدأ «حرية العقيدة» تاريخياً فى الدساتير المصرية.
(3)
نص دستور 1923 فى المادة 12 على أن «حرية الاعتقاد مطلقة»، وأن الدولة (المادة 13) «تحمى حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد طبقا للعادات المرعية فى الديار المصرية على أن لا يخل ذلك بالنظام العام ولا ينافى الآداب».. أما دستور 1971 فى مادته 46 فقد نص على أن: «تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية».. ويأتى دستور 2012 ليجعل النص كما يلى: «حرية الاعتقاد مصونة. وتكفل الدولة حرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة للأديان السماوية؛ وذلك على النحو الذى ينظمه القانون» (المادة 47). أما النص المقترح من لجنة العشرة والمرقم بالمادة 43 فينص على ما يلى: «حرية الاعتقاد مصونة. وتكفل الدولة حرية ممارسة الشعائر الدينية وتيسر إقامة دور العبادة للأديان السماوية؛ وذلك على النحو الذى ينظمه القانون».. وتشير القراءة الأولية لتطور النص الدستورى فيما يتعلق بقضية حرية العقيدة/ الاعتقاد؛ إلى كيف أن أجدادنا من واضعى الدستور انحازوا إلى إطلاق الحرية فى هذا الشأن كمبدأ دستورى ليكون هو الأصل للأديان والعقائد، مع ضبط ذلك فى مادة تالية تحت حماية الدولة المصرية.. وظل هذا الحق مستمراً فى دستور 1971 مع استبدال «تكفل» بـ«تحمى».. وأخيرا فى دستور 2012 (الذى أطلقت عليه دستور منتصف الليل) ترك الأمر دون ذكر أى دور للدولة فى ذلك، وأقصد بالدولة هنا: الدولة الحامية لحقوق مواطنيها، ووضعت كلمة «مصونة» دون أن يذكر من الذى سيقوم بهذا الفعل أو يتولى ضمان تنفيذه.. يضاف أن المبدأ الدستورى قد تأسس على تصور ينطلق من نظرة «عثمانية/ ملية» ترى تصنيف الأفراد فى داخل الوطن الواحد على أساس دينى فقط.
ووفقا لما أشرنا إليه حول الجيل الرابع من الدساتير فإنه من المفيد أن يذكر الإطار القانونى مفصلا بعض الشىء لضمان تحقيق المبدأ الدستورى.
(4)
يمكن أن نورد الكثير من الأمثلة فى هذا السياق.. فالقارئ للنص الدستورى سوف يجد فى كثير من مبادئه تراجعا عن الدرجة والنوعية التى كتبت بها فى دساتير سابقة.. ونواصل معاييرنا للدستور العصرى الذى يليق بالمواطن المصرى.