ليس من الصعب تحديد المواد، التي يجب النص عليها في الدستور الجديد، لضمان استقلالية الإعلام ونزاهته، ولكن الأهم هو ما يتعلق بتطبيق تلك المواد من قوانين. فمعظم الآراء أجمعت على ضرورة النص على توفير الحماية العامة لحرية التعبير، وتشمل حرية وسائل الإعلام، والنص على الحق في الحصول على المعلومات، والنص على ضرورة استقلال الإعلام وتعدديته، وهو ما تنص عليه معظم الدساتير في الدول الديمقراطية والدول المتحولة ديمقراطياً.
فوجود حماية دستورية لحرية الرأي والتعبير يتطلب إجراء مراجعة للقوانين السائدة، مثل قانون العقوبات، وما به من مواد متعلقة بجرائم النشر، وتقييم ما إذا كانت تطابق الحرية المنصوص عليها في الدستور أو تخالفه. فالقانون المصري مليء بتلك النصوص التي تفرض قيودا على حرية الرأي والتعبير والزج بممارسة الرقابة الذاتية.
وطبقاً للمعايير الدولية لا بد من النص بوضوح على الظروف الاستثنائية، التي يمكن أن يعلق فيها الحق في حرية التعبير (لمدة محددة)، حتى لا تستخدم المواد الفضفاضة في عرقلة تلك الحرية، خاصة أن مصر من الدول التي صدقت على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي يضمن الحق في حرية التعبير في المادة 19.
أما الحق في الحصول على المعلومات، وحق تداولها فيعتبر من النصوص الضرورية، التي يجب النص عليها لما عانى منه المجتمع المصري من فقر في المعلومات والبيانات، وصعوبة الوصول إليها، حتي وصل الأمر إلى افتقار معظم الوسائل الإعلامية للاستناد إلى بيانات كافية، والاعتماد أكثر على الآراء والتحليلات.
وذلك لأن الإطار القانوني المصري يتضمن أحكاما متعلقة بسرية المعلومات، مثل القوانين الصادرة بشأن المحفوظات القومية، شؤون الاستخبارات، شؤون مراجعة وفحص الحسابات، شؤون نشر المعلومات العسكرية والمناصب العامة، وما يفرضه ذلك من قيود تمثل عائقاً أمام المواطنين بشكل عام والصحفيين بوجه خاص.
وبما أننا نصيغ دستوراً لدولة ديمقراطية، فإن فمبدأ حق الحصول على المعلومات وحرية تداولها من الضمانات الأساسية لوجود مجتمع ديمقراطى لا تهدف حكومته لاحتكار المعلومات.
ولا يقل مفهوم التعددية والاستقلالية أهمية عن المواد السابقة. فالنص عليه يضمن تعدد ملكية وسائل الإعلام، ويمنع احتكار الحكومة كثيرا من الوسائل الإعلامية، كما يضمن تطبيق قانون المنافسة لحماية الجمهور على النحو، الذي ينظمه القانون، وعدم تحكم رؤوس الأموال في الصناعة لما لدى وسائل الإعلام من قوة وتأثير على آراء واتجاهات الجمهور.
فالنص على تعددية واستقلال الإعلام سيتطلب إعادة هيكلة لوسائل الإعلام المملوكة للحكومة، وإنشاء ما يسمى إعلام الخدمة العامة، الذي يهدف لتقديم محتوى يفيد المجتمع، ويشبع احتياجاته المعلوماتية المختلفة، ويعكس نبض الشارع المصري، ويكون منبراً لمختلف الأصوات في المجتمع دون التحيز لفئة دون أخرى، كما سيتطلب تنظيم وسائل الإعلام الخاصة من حيث تحديد من له الحق في إنشاء محطة أو إذاعة، والضوابط الملزمة لمختلف البرامج، وسيتبع ذلك إنشاء هناك جهاز، أو مجلس مستقل يتابع أداء مختلف وسائل الإعلام، والالتزام بمعايير المهنية.
أعتقد أن ما يتم حالياً من نقاش حول المواد، التي تضمن استقلالية الوسائل الإعلامية، والنص عليها في الدستور سيكون نموذجا يعكس ما تتجه إليه مصر من طريق نحو الديمقراطية، الذي كان حلماً وهدفاً منذ اندلاع الثورة في 25 يناير.