■ وسط أجواء الاحتفاء بذكرى وفاة الزعيم جمال عبدالناصر والاحتفال بمرور أربعة عقود على انتصار أكتوبر، أخذنا السيد الفريق سامى عنان إلى مساحة أخرى من الاهتمام، حيث بادر يوم السبت بنشر جزء من مذكراته على صفحات الزميلة «الوطن» وبدا أن سيادة الفريق مهموم بتفنيد الاتهام الموجه فى قطاعات واسعة من الرأى العام له - بصفته - أنه ساهم فى تسليم البلاد للإخوان، ليس بالضرورة تواطؤاً، ولكن ربما بسبب البراءة السياسية وانعدام الخبرة والمعرفة الكافية بالإخوان.. تاريخاً وأفكاراً وأشخاصاً.
ويتردد أن الرجل لديه رغبة وعليه ضغوط من البعض لخوض الانتخابات الرئاسية، وهذا شأن آخر، لكن الرجل قدم للباحثين وللدارسين، فضلاً عن المتابعين والمراقبين، خدمة معرفية مهمة بنشر هذا الجزء، وهو حدث نادر لأن القيادات العسكرية عندنا تفضل التزام الصمت، ومن يتحدث منهم لابد أن يعود إلى الجهات العسكرية لينال موافقتها، ومازلت أذكر أن المشير الجمسى - رحمه الله - فى حوار مطول مع أسرة تحرير «المصور»، قبل وفاته بوقت قريب، أنه التفت إلينا فى نهاية الحوار قائلاً بجملة قاطعة: طبعاً الحوار لازم تاخدوا عليه موافقة المخابرات الحربية قبل النشر، رغم أن الجزء العسكرى فيه كان محدوداً وكان متعلقاً بأحداث الأيام التى سبقت حرب أكتوبر مباشرة، والواضح أن رئيس أركان حرب القوات المسلحة ونائب رئيس المجلس العسكرى السابق قرر أن يكتب وأن ينشر دون الوقوف عند تلك القواعد المتعارف عليها، وأظن أنه أفادنا كقراء وتحمل هو المخاطرة، حيث بدا من تصريحات المتحدث العسكرى أنه لا يوجد ترحيب من القوات المسلحة بنشر تلك المذكرات.
ما ذكره الفريق سامى يلقى بعض الأضواء ويعطينا مفاتيح لتفسير بعض ألغاز ثورة 25 يناير، ومنها الانقلاب الأمريكى السريع على حسنى مبارك، فى الأيام الأولى للثورة ساندت الولايات المتحدة مبارك وقالت السيدة كلينتون فى تصريح شهير لها: إن الحكومة فى مصر قادرة على حل المشكلة، ثم فوجئنا بأن الرئيس أوباما يطلب إلى مبارك تليفونياً الرحيل فوراً «Now»، يقول الفريق سامى عنان: إنه فى مساء 27 يناير 2011 كان فى عشاء عمل بواشنطن، وسأله السفير ألكسندر فرشيو: ماذا يفعل الجيش لو نزل إلى الشارع؟ وكان رد سيادة الفريق: ثق بأن الجيش لن يفعل ذلك إلا إذا حدث تهديد للمنشآت والأهداف الحيوية وسيكون هدفه الوحيد التأمين، وعاد السفير الأمريكى يسأل: ألن تضربوا المتظاهرين؟ وكان الرد: لا بالطبع، ثم كان السؤال الثالث: أثق أن مثل هذه الأوامر لن تصدر وحتى إذا صدرت فلن نطلق النار على أبناء وطننا.
الإجابات تحمل موقفاً كاملاً وواضحاً، والأسئلة معلوماتية ومحددة، وهو أن الجيش لن يساند مبارك، والواضح أن هذا الحوار نقل إلى مستويات أعلى فى البنتاجون والإدارة الأمريكية، لذا حين قرر الفريق العودة مساء اليوم التالى، الجمعة 28 يناير، ذهب الخبر إلى ماتيس قائد القيادة المركزية الأمريكية والصديق المقرب من أوباما، كما يذكر سيادة الفريق لوداعه فى قاعدة «أندروز» وانتحى به ليعيد عليه نفس الأسئلة التى طرحها ألكسندر فرشيو، وسمع الإجابات نفسها، والواضح أنه ذهب خصيصاً ليتأكد مما نقله السفير ويسمع بأذنيه، وهنا بنت الإدارة الأمريكية موقفها النهائى من مبارك، وبالتأكيد تم تسريب الأفكار التى قالها الفريق عنان إلى أطراف هنا فى الداخل، ولعلنا نتذكر الترحيب الأمريكى بتعيين مبارك نائباً له ثم الامتعاض حين اختار مبارك اللواء عمر سليمان، وتردد فى بعض وسائل الإعلام الأمريكية ونقل عنها ذلك - هنا - فى مصر وفى المنطقة أن الإدارة الأمريكية توقعت أن يكون النائب المنتظر هو الفريق سامى عنان.
السؤال هنا: ماذا لو كان الفريق أجاب بالعكس تماماً؟ وماذا لو كان امتنع عن الإجابة ورد ردوداً عائمة ومفتوحة، تحمل كل المواقف؟ وماذا لو رد بأنه سيقرر بعد العودة إلى مصر والتشاور مع وزير الدفاع وبقية قيادات القوات المسلحة، لأن الموقف والقرار فى هذه الحالة يتعلق بمؤسسة وليس بفرد؟ هل كان الموقف الأمريكى سيتغير، وهل كان الموقف فى الداخل سيتغير؟، والاكتفاء بالمطالب السبعة التى أعلن عنها د. أسامة الغزالى حرب فى البداية، ممثلاً لبقية الأطراف الثورية، ولم يكن من بينها رحيل مبارك؟..
ولست بحاجة إلى تأكيد أن علاقات الإخوان بالولايات المتحدة كانت قائمة منذ عهد المرشد المؤسس حسن البنا، ولكنها ازدادت قوة وعمقاً زمن حسنى مبارك. ترى هل أبلغ الإخوان من الولايات المتحدة بأن الجيش لن يتدخل، ومن ثم تحركت خططهم لاقتحام السجون، وما نسب إليهم يوم موقعة الجمل، خاصة أن تلك التحركات خرجت عما عرفوا به من الحذر الشديد والخوف شبه الغريزى من الدولة، فضلاً عن تملقهم الدائم لمبارك وإن انتقدوا بعض السياسات الحكومية؟.
هذه كلها تساؤلات مطروحة للنقاش ومازلت ألح على أن كثيراً من المعلومات لم يكشف ولم يعلن عنه، وفى ضوء ما ذكره الفريق سامى عنان أتصور أن الرئيس عدلى منصور مطالب بتشكيل لجنة علمية وطنية لتسجيل حقائق وأحداث ثورة يناير وما بعدها، بأن تستمع إلى كل الأطراف، يقدم كل شهادته وتحفظ للأجيال القادمة، صوناً للذاكرة الوطنية.