دائما ما تلخص قطاعات من الشعوب طموحاتها وأحلامها فى مرحلة ما فى شعارات ذات دلالة مثل المستبد العادل أو الحاكم القوى، أو الحاكم الداهية، أو الحاكم القادر على نسج علاقات مع الغرب.
وعند تأمل تلك الشعارات سوف نكتشف أنها ليس من الضرورى أن تعبر عن المهام الملقاة على عاتق الرئيس فى ذات المرحلة، ولكنها تعبر عن رغبات وأحلام للجماهير حسبما يدركون أبعاد المرحلة ومشكلاتها، فعندما يفتقدون الأمن يحلمون بالرئيس القوى، وعندما يشعرون بالظلم الاجتماعى يحلمون بالمستبد العادل ويتنازلون عن الديمقراطية فى سبيل العدل، وعندما يشعرون بتهاوى مكانة الوطن يطلبون الرئيس القادر على بناء علاقات مع الخارج، وهكذا نرى أن الوعى الجمعى لقطاعات من الجماهير غير مركب وله فى الغالب بعد واحد يؤثر عليه فى المرحلة الزمنية المعاشة، ويصل تحكم تلك الشعارات ذات البعد الواحد فى سلوك الجماهير لدرجة تزييف الحقائق واستبدال المهام بمهام أخرى فعندما يحلمون ويطلبون رئيسا قويا نظرا لمعاناتهم من الفوضى الضاربة فى البلاد وكذلك العمليات الإرهابية، فهم لا يشخصون مشكلات مصر بشكل عميق وعلمى، إنما يضعون أيديهم على المشكلات المباشرة والجزئية حيث لا يدركون الأسباب العميقة لتلك المشكلات، وبالتالى فهم لا يفرقون بين دور وزير داخلية واجبه العمل على استتباب الأمن وبين دور رئيس جمهورية لابد أن يمتلك رؤية شاملة لمشكلات الوطن، وعليه أن يقدم بيانا لحال مصر الآن على جميع الأصعدة: على صعيد الأمن القومى للوطن وما هى المخاطر التى يتعرض لها سواء فى سيناء أو فى الداخل، وما هى الأسباب التى أدت إلى ذلك، وعلى صعيد الحالة الاقتصادية وما علاقة النمو بالطريق الرأسمالى بتلك الحالة البائسة التى وصلنا إليها من تدهور، وما علاقة ذلك النهج الرأسمالى بانعدام التنمية وبنشر الفقر والظلم.
وعلى صعيد السياسة الخارجية فلابد من الإجابة على سؤال ما سبب تدهور الوزن والدور المصرى، هل كان ذلك من جراء علاقة التبعية مع الولايات المتحدة منذ اتفاقية كامب ديفيد، وكيف ساهمت تلك الاتفاقية فى صياغة تبعية الدور المصرى بعد تهميشه من جراء فرض سياسة الانفتاح الاقتصادى ثم سياسة الخصخصة، لذلك فأمام الرئيس قضية محورية ومهمة اسمها التنمية ومنها تتفرع بعض القضايا الأخرى مثل العدل الاجتماعى وإعادة توزيع الدخل القومى للبلاد على القطاعات المتعددة حسب أهمية كل قطاع وحسب التصور لبناء المستقبل فى إطار الخطة الموضوعة، كما أن على مائدة الرئيس قضايا من قبيل فك أوجه التبعية مع الولايات المتحدة وما يعنيه ذلك من موقف ضد المعونة الأمريكية، ورغبة فى تنويع مصادر السلاح والأهم من ذلك كله الموقف من اتفاقية كامب ديفيد التى كانت سببا مباشرا فى الانكشاف الذى تعانى منه سيناء الآن، وعلى الجماهير أن تعى أن كامب ديفيد هى بيت الداء المصرى، وأنه لا تنمية ولا استقرار ولا عدالة اجتماعية ولا سياسة خارجية مستقلة مادامت كامب ديفيد بهذا الوضع.
ومن هنا نستطيع أن نقول إن الرئيس المنتخب القادم لابد من النظر إليه والحكم عليه من خلال الرؤية الشاملة المقدمة منه وكذلك تاريخة النضالى فى محاولة منه لتجسيد ذلك أو على الأقل المناداة به والتبشير به وسط الشعب، لذلك لا يكفى أبدا أن نطلب رئيسا قويا أو مستبدا عادلا أو رجلا له علاقات مع الخارج، وحتى لو طلبنا كل ذلك معا فلابد من رؤية تجيب على المشكلات التى يعانى منها الوطن، ولابد من أن تقدم إبداعا يستجيب لأحلام الشعب.