شاهدت الفيديو الذى أصدرته جماعة أنصار بيت المقدس، والذى تعلن فيه مسؤوليتها عن العمليات المعادية للجيش المصرى فى سيناء.
يبدو، والله أعلم، أن الهدف من ذلك التسجيل المصور هو الاستعطاف والتهديد فى آن معا، وخلط الاستعطاف بالتهديد هو أسلوب إخوانى متبع، ويبدو أن الجماعة وأنصارها لم يتبينوا حتى الآن أن هذا النهج بالتحديد هو ما ملأ الشعب المصرى بكل الغل والكراهية والرغبة فى الانتقام الذين يقف عناصر الجماعة وأنصارها أمامهم حائرين، وأنا حائرة بدورى من حيرة الجماعة وأنصارها، فكيف تتخيل الجماعة أنها حين تهدد وتستعطف فى ذات الوقت، يمكن أن يكون رد فعل المقصود بالرسالة شيئا آخر سوى الكراهية المطبقة الخالصة الصافية؟ فأنت حين تهدد ترغب فى استنفار مشاعر الخوف لدى المتلقى، لكن ما تلبث تلك المشاعر هذه أن تتلاشى أمام الاستعطاف، وحين تستجدى، فإنك ترغب فى تحريك مشاعر الشفقة لدى المتلقى التى ما تلبث أن تتحول إلى مشاعر عناد وغضب بمجرد انتقالك إلى التهديد، ومن المثير للشفقة أن تمضى لـ«تلغوص» فى مشاعر الناس بهذا الشكل، لأنك تحكم على نفسيات البشر من خلال نفسيتك أنت المشوهة، وأن تفترض فى الناس البله والتصديق الأعمى لكل كذباتك بعد خبروها، لإنك أنت نفسك تصدق كل ما يقوله لك مسؤولك فى التنظيم مهما بدا جنونيا وغير معقول.
يبدأ الفيديو بعبارة مكتوبة تصف الجيش المصرى بأنه «جيش كامب ديفيد الذى لم يطلق رصاصة واحدة ضد إسرائيل على مدى أربعين عاما»، ويفترض صانع الفيديو الغباء فى المشاهد، فلا يضع فى الحسبان أن أغلب المعلقين كتبوا تحت الفيديو: «طيب هو جيش كامب ديفيد، وانتو عملتوا إيه لما حكمتوا ستة أشهر فى البرلمان وسنة فى الرئاسة ضد كامب ديفيد؟»، وهنا نذكر جميعا تصريح عصام العريان قبل فوز الإخوان فى البرلمان باكتساح، حين أكد فى حواره لإحدى الصحف الأجنبية أن مصر ملتزمة باتفاقية كامب ديفيد، ونذكر جميعا تصريح مرسى بأن مصر ملتزمة بكامب ديفيد، وتصريحا آخر يقول فيه بأن مكالمته مع أوباما كانت دافئة وليست ساخنة، وكلام كتير عيب وحرام ويتهز له سبع سماوات، مثل خطابه لصديقه العزيز بيريز. ثم متى تحول الجيش المصرى، الذى وصف مرسى رجاله بأنهم «من ذهب»، وصرح قبله عصام العريان بأن هتاف «يسقط حكم العسكر» يؤذيه شخصيا، إلى جيش كامب ديفيد؟ طيب وبما إنه جيش كامب ديفيد، ولم يطلق رصاصة واحدة ضد إسرائيل، متى أطلق الإخوان وأنصارهم بمب العيد ضد إسرائيل؟ ولماذا لا تقوم جماعة أنصار بيت المقدس بما لم يقم به الجيش المصرى ضد إسرائيل بدلا من قتل المجندين المساكين؟
ثم ينتهى الفيديو من «المعايرة» بكامب ديفيد التى لم يعترضوا عليها يوما، بل ولم يتخذوا إجراء واحدا، ولو رمزيا، ضدها طوال فترة حكمهم، تماما كما عايرتنا الجماعة بهزيمة 67 فى أثناء حكمهم، وبثوا صورا وتسجيلات للشماتة فى «الطيارين المصريين السكارى المهزومين» كما وصفهم أحمد المغير، وهو ما لم تفعله إسرائيل ذاتها، وينتقل إلى وصلة الاستعطاف بعرض صور لجثث، بعضها من مصر، وبعضها من سوريا بادعاء أنها من مصر، والحقيقة أننى كنت ضد فض اعتصام رابعة بالقوة، قبل وفى أثناء وبعد الفض، وما زلت حتى الآن لا أستطيع تجاوز الحدث، ولا أسميه سوى «جريمة»، لكن حتى أنا التى تعاطفت مع ضحايا فض اعتصام رابعة، استفزتنى عبارة «يقتل المسلمين فى رابعة»! وكأن كل من لم يعتصموا فى رابعة ليسوا مسلمين، وكأن كل من ماتوا فى فترة الحكم العسكرى الحقيقى تحت قيادة طنطاوى الذى منحه مرسى قلادة الشرف كانوا من الهندوس، وكأن كل الجثث التى نظر إليها الإخوان بلا اكتراث وتساءلوا: وهم إيه اللى وداهم هناك؟ لا يستحقون الرحمة، وكأن من مات من غير المسلمين فى ماسبيرو يستحق الموت، مما ذكرنى بقولهم عن مينا دانيال: شهيد إزاى وهو نصرانى؟ يعنى فشلة حتى فى الاستعطاف.
الجزء الثالث من الفيديو يستعرض العمليات الإجرامية ضد مجندين، جلهم يقضى فترة تجنيده ويرغب فى العودة إلى أهله، مع صيحات التكبير، ونشيد فى الخلفية تقول كلماته: قد أتيناكم برشاش وقرآن مبين! وده تهديد مثلا؟ وأى مختل هذا الذى يشعر بفخر أو تعاطف أو حتى خوف من أناس يقرنون الرشاش بالقرآن، ويتباهون بعمليات إجرامية ضد عساكر مصريين، بينما لا يطلقون رصاصة واحدة ضد إسرائيل؟
منذ يومين كنت أقول لأحد الأصدقاء بأننى لا أستطيع تجاوز ما حدث فى رابعة، لكننى تجاوزته بعد أن شاهدت هذا الفيديو... شكرا.