أشعر أننا قد أُصبنا بهوَس المقاطعة، صِرْنا نخلط الأوراق بين الثقافة والفن والرياضة وعلى الجانب الآخر السياسة، بمجرد بزوغ خلاف نُشهر على الفور سلاح المصادرة. قبل 24 ساعة أعلن المنصف المرزوقى الرئيس التونسى المؤقت تصريحات تمسّ السيادة المصرية، وبعدها فوجئتُ ببعض الأصدقاء يسألوننى: هل نكرر ما حدث مع تركيا ونبدأ فى تطبيق قواعد المنع «لا للفيلم والمسلسل والأغنية والنجم التونسى» ونمنع تداول أغنيات لطيفة وأفلام هند وتعليقات عصام الشوالى، كانت إجابتى هى العكس هو الصحيح، علينا أن نتصدى لتلك الحالة من التعطش لتوقيع المقاطعة العشوائية، فما هى مثلا علاقة مهند ولميس وفاطمة أبطال المسلسلات التركية بآراء رجب طيب أردوغان ضد ثورة 30 يونيو؟ ما علاقة الشعب والفنان والمعلِّق الرياضى التونسى بما يعلنه المرزوقى؟
قبل نحو أسبوعين اعتذرتْ الراقصة نجوى فؤاد عن السفر إلى إسبانيا لتكريمها فى أحد مهرجانات الرقص الشرقى بعد أن علمت أن هناك نية لوجود راقصات من تركيا، وذلك تماشيا مع التوجه المصرى الذى تبنّته النقابات الفنية بمقاطعة كل ما هو تركى، مسلسلات وأفلاما وموسيقى ورقصا وأكلا حتى المشروب المصرى المفضل وهو القهوة التركى يفكر البعض فى إلزام المقاهى بالامتناع عن تقديمه، كما أن عددا من الجمعيات النسائية طالب ربَّات البيوت بعدم الاقتراب من المأكولات ذات الأصول التركية مثل الكبيبة والشركسية والشكشوكة وبابا غنوج!
سلاح المقاطعة بات يُستخدم هذه الأيام بإسراف شديد بل وصارت تلاحق الكثيرين نظرات واتهامات وتلميحات لكل من لا يشهر هذا السلاح كأنه يرتكب خيانة وطنية، سبق مثلا أن أعلنت المطربة شيرين مؤخرا أنها لا يمكن أن تشارك فى أى حفل غنائى يقام فى الدوحة رغم أنها تعلم أن لها جمهورا ينتظرها ويحبها هناك وذلك احتجاجا على سياسة قطر تجاه ثورة 30 يونيو وأيضا ردا على تجاوزات قناة «الجزيرة».
مصر مختلفة سياسيًّا مع دولة قطر كما أن هناك غضبا موجها ضد قناة «الجزيرة» التى فقدت موضوعيتها ولا أقول فقط حياديتها فلا حياد فى الإعلام، ورغم ذلك فإن الشعوب ينبغى أن تظل بعيدة تماما عن تلك الصراعات والتى بطبعها ليست ثابتة، كان يكفى شيرين أن تقاطع الظهور فى قناة «الجزيرة» ولكنها لا تخاصم شعبا.
فريد الأطرش عندما قدم أوبريت «بساط الريح» عام 1950 فى فيلم «آخر كدبة» وكان يشدو للوحدة العربية فغنَّى «بساط الريح يا أبو الجناحين مراكش فين وتونس فين» ولا أدرى كيف لم يمر البساط على الجزائر؟ هل رفضوا منح البساط تأشيرة؟ هل البساط يحتاج مثلنا إلى «فيزا»؟! ولهذا لم يغفروها له هناك، ولم يتم الصلح إلا حين قدم بعد 15 عاما أنشودة «المارد العربى» وغنَّى فيها مقطعا لبلد المليون ونصف المليون شهيد.
هل نسينا ما حدث قبل نحو ثلاث سنوات وتلك المعركة المفتعلة بسبب مباراة الكرة بين مصر والجزائر التى أقيمت فى «أم درمان» وما تلاها مع الأسف من تداعيات مثل أن يصدر قرار فى مصر بمنع أغانى وردة على اعتبار أنها جزائرية الأصل وأن يلغى تكريم المخرج الجزائرى أحمد راشدى فى مهرجان القاهرة السينمائى وأن يعيد بعض النجوم المصريين الجوائز التى حصلوا عليها من الجزائر إلى السفارة احتجاجًا على خناقة كُروية؟ المقاطعة الثقافية والاقتصادية والسياسية هى فقط مع عدونا الاستراتيجى إسرائيل، نعم لا يمكن أن يشارك فنان عربى فى مهرجان إسرائيلى ولا يتم دعوة فنان إسرائيلى إلى أى تظاهرة عربية. هذا هو المبدأ لأننا نتعامل مع عدو دائم ولكن تركيا ليست عدوا استراتيجيًّا لمصر ولا للدول العربية.
فى عهد مبارك كانت العلاقات الرسمية سيئة بين مصر وقطر وكانت أيضا «الجزيرة» متهمة بأنها تحاول زعزعة الاستقرار فى البلد ورغم ذلك لم تُصدر النقابات الفنية قرارا يحظر مشاركة الفنان المصرى فى أى حفلات أو أنشطة ثقافية تقام فى الدوحة، وكثيرا ما سافر عادل إمام إلى هناك فى العديد من الأنشطة الفنية رغم أنه محسوب بقوة على نظام مبارك.
ما علاقة الغضب السياسى من تركيا وقطر وتونس بأن لا تصافح نجوى فؤاد راقصة تركية أو أن تتوقف شيرين عن الغناء فى الدوحة أو نقاطع الاستماع إلى التعليقات اللماحة للشوالى أو أن تمتنع السيدات المصريات عن التطبيع مع «بابا غنوج»؟!