الدول العظمى لا تغير استراتيجيتها بسهولة، لأن تلك الاستراتيجيات لا تصنع بالإلهام أو النزوة ولا تتقرر بقيام حكم أو سقوط حكم ولا يؤثر فيها أن يذهب رئيس ويجىء رئيس. فالاستراتيجيات إملاء جغرافيا وتاريخ. وقد تتغير السياسات المعبرة عنهما لتتلاءم مع متغيرات الظروف. لكن الاستراتيجيات تعلم دارسيها أن الأهداف يمكن الاقتراب منها عن طريقين. اقتراب مباشر أو اقتراب غير مباشر مع بقاء الهدف فى الحالتين. وهو الأسلوب الذى تتبعه الولايات المتحدة الأمريكية فى سياستها التى وضع ورقتها الأولى داويت أيزنهاور وهو يضع استراتيجية الإمبراطورية الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، خطته تجاه الغرب هى الدعم والمساعدات السخية للوقوف على قدميه، وذلك عن طريق مشروع مارشال الذى يعطى للمتقدمين سابقا فرصة استعادة التقدم ومعه الديمقراطية والسلاح الحامى لاستئناف التقدم هو منظمة حلف الأطلنطى. أما ناحية الشرق الأوسط فالوسيلة الرئيسية فيه هى الدين والتركيز على استعادة القديم بدعوى الرجوع إلى الأصول والسلاح الضامن للأصول، وذلك من وراء الستار، لأن الولايات المتحدة لا تستطيع على المكشوف أن تقف وتدعو من شرفات المآذن أو أبراج الكنائس إلى التمسك بالدين والعزوف عن مطالب الدنيا رجاء نعيم الآخرة، ولذلك اختار أيزنهاور رجلين لأعلى المناصب فى إدارته وهما شقيقان لأب قضى عمره وعمله قسيسا داعيا إلى ملكوت السماء، الشقيق الأول هو جون فوستر بالاس فى موقع وزير الخارجية، وكان المبشر الأعلى صوتا بأن الدين هو السلاح الأكثر فاعلية ونفاذا فى العالم الثالث، لأنه الهوية التقليدية للشعوب، والشقيق الثانى هو آلان دالاس فى موقع مدير وكالة المخابرات المركزية التى أوكلت إليها مهمة حرب سلاح الأفكار وليس سلاح النار، وقد اتخذت شعارات الإسلام وهى العقيدة الأكثر انتشارا فى المنطقة لتكون وسيلتها وذخيرة سلاحها فى المنطقة. تلك هى سياستهم وقد بدؤوا فى التنفيذ فى تكوين حلف بغداد الذى دمره عبد الناصر ثم كرروا الكرة مرة أخرى بالمؤتمر الإسلامى كفكرة من الملك فيصل بقيادة مصرى هو أنور السادات ثم أخيرا بالإخوان وهو الفصيل الجاهز والمستعد دائما للبيع، بيع أى شىء، من أجل التنظيم والحكم. لذلك احتلوا كل جنوب البحر المتوسط منذ اندلاع الثورة فى تونس التجربة، ثم فى مصر التطبيق والانتشار فى اليمن وليبيا وسوريا وقد عطل المشروع القائد العام عبد الفتاح السيسى. لكن فى الأفق الأمريكان ما زالوا على استراتيجيتهم، فقد وقع اختيارهم على الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح وهو صديق قديم للمخابرات الأمريكية التى كانت تشرف على نقل الشباب المسلم إلى أفغانستان لمحاربة الإلحاد السوفييتى، وكان أبو الفتوح هو المسؤول عن تجنيد وتسفير الشباب، وعندما أعلن ترشيحه التف حوله كل من لهم هويات أمريكية سواء بالعمالة أو بالهوى الشخصى والإعجاب أو بالنيات الطيبة والسذاجة السياسية. والآن الرجل يعدّ ليكون بديلا. وإن كان فى توقعى بديلا ليس للرئاسة، بل للمِّ الشمل من جديد وإعادة الروح فى التنظيم وفى الجماعة، خصوصا وهو كان أحد من أعادوا الروح فى الإخوان ومعه فرقة قصر العينى التى أعادت التنظيم فى السبعينيات.
وقد اجتمع مجموعة من شباب الإخوان بالقنصل الأمريكى فى الإسكندرية كانديس باتنم وهى التلميذة النجيبة لآن باترسون، الاجتماع كان الأسبوع قبل الماضى فى القنصلية تحت حماية المارينز، وقد كانت توجيهاتها بعدما استمعت لشكواهم فى ثلاث نقاط. توسيع رقعة المعارضة والرافضين للانقلاب والحكم العسكرى باللجوء إلى التيارات الأخرى، منها التيار المصرى وشباب مصر القوية كمرحلة أولى ثم الدخول إلى شباب 6 أبريل ووعدتهم بأنها ستتحدث إلى أفراد من 6 أبريل فى ذلك، ثم التنسيق مع الدكتور محمد البرادعى وعدم الهجوم عليه، فله دور قريب ولا بد من الالتفاف حوله، والتوجيه الأخير هو توسيع زمن الفاعليات كى لا يمل الشعب أو يأخذ موقف المضاد من كثرة المظاهرات وتوقف الحياة فى مصر وتكون المظاهرات والفاعليات كل أسبوع فقط والاستعداد الجيد للحشد الكبير لمواجهة الاحتفال بحرب أكتوبر. وكانت آخر توصية هى الوقوف مع الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح فى الفترة القادمة ودعمه كمرشح للرئاسة وتوسيع المعارضة لكل منافسيه لتظهر أن المعارضة ليست بطابع إسلامى لكن بطابع تعدد الطوائف المعترضة على الانقلاب العسكرى، وأن هناك مدنيين وناسا عاديين ضد الانقلاب وعندما سأل أحد الشباب عن مستقبل مرسى والجماعة كان رد القنصل أنه ماضٍ، تقصد مرسى، أما الجماعة فقد تعرضت لتلك الحوادث كثيرا طوال وجودها فى مصر، وهى قادرة على العودة إلى ما كانت عليه مع تغيير الاستراتيجيات والأولويات وتطوير مفهومها ليستطيع الشعب تقبلها من جديد كفصيل سياسى هدفه دين وهداية وقد خرج الشباب من الاجتماع وقد ضخت كانديس الحياة فيهم من جديد.
وعلى الجانب الآخر فى المعادى يقوم أبو الفتوح باجتماعات دورية خاصة مع الدكتور سليم العوا وعبد الرحمن القرضاوى لترتيب الأوضاع من جديد استعدادا لدخول الانتخابات البرلمانية ومحاولة المساومة مع الدولة لإتاحة الفرصة للتيار الدينى الوسطى لإيجاد مقاعد له فى البرلمان تكون داعما لأبو الفتوح، كما أنها تنفى فكرة الإقصاء كما أن الثلاثة يخططون لانتخابات الرئاسة، وسينضم إلى هذا الفريق كل من سيف عبد الفتاح وعمرو حمزاوى، الذى كتب توكيلا عاما لزوجته «بسمة» ربما استعدادا لخروجه من مصر، وأحمد ماهر منسق «6 أبريل» واجتماعاتهم تتم فى منزل السفير إبراهيم يسرى فى شارع 21 بالمعادى. الخطط تنفذ ومصر فى مرمى الهدف لكن الكل ينسى أو يتناسى أن من اسماء مصر (المحروسة) وستظل..