إن كانت التسلخات الجلدية تزيد فى فصل الصيف فإن التسلخات العقلية تزيد فى فصل الثقافة عن الحياة، وتنتشر التسلخات العقلية فى مجتمعاتنا بسبب فطريات الجهل، وهى تجعل من التفكير عملية مؤلمة لصاحبها، والعلاج عندنا هو الخمول والدخول فى سبات عميق، وتسليم العقل للآخر ليفكر لنا بالوكالة! ولأن أمة «اقرأ» لا تقرأ فهى لا تعرف، ولكن المعرفة حاجة إنسانية مُلحة لا يمكن الاستغناء عنها، ولابد إما أن نشبعها أو أن نمثل أننا نشبعها! وطبعًا التسلخات جعلتنا نسلك الطريق الثانى! فالحياة بالنسبة لنا هى نموذج «لا تقربوا الصلاة»، نأخذ من الحقيقة جزءًا واحدًا، وغالبًا ما يكون مشوهًا!
والتسلخات العقلية يصاحبها هرش شديد، عبارة عن لوثة تصيب الشخص المتسلخ، تتمثل فى الاقتناع بصور ذهنية معلبة، فكل الأمريكان فاسدون، وكل الألمان أذكياء، وكل اليابانيين نشطاء، وجميع فتيات الغرب لامؤاخذة! بينما الحقيقة المرة أن معظمنا متسلخون، ننظر لنقطة واحدة عند فرد واحد ونعممها على كل الجماعة! وننسى أنه حتى السم نستخرج منه دواء. والشعب المتسلخ قد يُسقط أقوى البرامج الانتخابية أمام جملة «الإسلام هو الحل»، دون أدنى تفكير فى أى إسلام، وكيف سيحل، وما هى المشكلات تحديدًا؟! فالشعارات الجوفاء مرهم يريح المتسلخ! فى السياسة، يرى المتسلخ أن «ميكيافيللى» عبارة عن «الغاية تبرر الوسيلة»، بينما الحقيقة أن كتابه «الأمير» يُعد من أمتع وأفيد الكتب، ولكن لماذا تتعب وتقرأ كتابًا كاملاً بينما يمكنك بسهولة أن تتسلخ! فى الفلسفة، يلخصون وجودية «جان بول سارتر» فى عبارة (الجحيم هو الآخر)- أى آخر- بينما الرجل قال: «الجحيم هو الآخر الذى يُقيم نفسه القاضى والجلاد على تصرفاتى».
فى العلم، يؤمن المتسلخ بأن «داروين» قال «الإنسان أصله قرد»! لا أحد يتعب ويقرأ مجلدات «أصل الأنواع» أو يفهم نظرية «النشوء والارتقاء».. كل ما قاله الرجل فى هذا الشأن أن (الإنسان انحدر من كائنات أقل رقيًا تشبه القردة العليا)، وهذا لا يجعل منه قردًا، وحفريات الإنسان الأول موجودة، ولكن التسلخات موجودة أيضًا!
فى الاقتصاد، يؤمن العقل المتسلخ بأن هناك شيئًا يسمى «اقتصاد إسلامى»، بينما من ينادون به يطرحون نموذجًا لاقتصاد موارد، غير مبنى على فكرة أن العملة هى مستودع القيمة، وهذا ببساطة نموذج الاقتصادى الفرنسى «جان باتيست ساى»، ولكنهم يستبدلون الزكاة بالضريبة! وبفضل التسلخات كله بيعدى!
عالجوا التسلخات بمراهم القراءة والتفكير وإلا ستزيد الحالة من تسلخات فى العقل إلى تشنجات فى المجتمع، إلى مناوشات فى الشارع. فالجهل أبو الشرور والتسلخات أمها!