الرجل الخمسيني الوسيم .. أصبح قاب قوسين أو أدنى من الجلوس على عرش مصر الثورة، ليس فقط بسبب وطنيته المنبثقة من تاريخ نضالي طويل ولا بسبب العدالة الإجتماعية التي يتبناها، ولا بسبب إشتراكيته وتوجهاته الأقرب لليسارية المعتدلة، ولا بسبب ناصريته التي تقدس القوات المسلحة وتحترمها أكثر من أي مؤسسة أخرى.. وإنما قبل كل ما سبق بسبب تعامله مع الموقف الأخير بعد 30 يونيو.. فبراعته في التعامل مع الموقف جعلته ينال ثقة فئة كبيرة من الشعب كما نال الثقة الأكبر من قيادات القوات المسلحة صاحبة الدور الأكبر على مسرح السياسة في الفترة الأخيرة بعد أن أستطاع أن تمحو إخفاقات الماضي البعيد والقريب.
الإبن البار لعبد الناصر أصبح هو الأمر الواقع لهذا البلد بإرادة أهله ليس في إنتخابات هو نجمها الساطع حتى الأن بلا منازع، إلا إذا كان لـ «عبد الفتاح السيسي» رأي أخر .. وهذا ما لا أعتقده بناءاً على وعود متكررة ورأى واضحة .. غير أن وجود «حمدين صباحي» في قصر الرئاسة أفضل للسيسي من نفسه حيث لن يصبح السيسي صاحب الرصيد الأعلى من حب المصريين عرضة يومية لأقلام ماذالت حرة لم تستسلم للواقع المفروض عليها لإجبار الجميع على السير في تجاه السهم المرسوم بعد 30 يونيو، كما أن وجود حمدين الناصري على كرسي الرئاسة سيجعل القوات المسلحة فوق كل الرؤوس ومطالبها ستصبح أوامر على الجميع أكثر مما كانت عليه في الماضي القريب والبعيد .. كما أن حلف يمين حمدين المرشح صاحب الخلفية المدنية والثورية سيبرأ السيسي نفسه من كلمة «إنقلاب» ، حيث أن جميع المعارضين لما حدث في 30 يونيو ينتظرون الرئيس العسكري القادم لتبدأ المعركة الشرسة معه في كل شيء بداية من أنه قادم على شرف إنقلاب ونهاية بأن عسكرة الدولة مستمرة.
صاحب الشعر الأبيض .. يعرف جيداً من أين تأكل الكتف.. فحياته وسط الفلاحين البسطاء الذين جعلهم عبد الناصر من أصحاب الأطيان إستغلها كما يجب أن يكون بناصريته الصارخة والتي تلمس قلوب البسطاء، وبات هذا واضحاً جلياً من نتائج إنتخابات الرئاسة الماضية، حيث كان قد حصل على أصوات لم يكن يتخيلها أحد بناءاً على الإنفاق الضعيف على الدعايا والذي لم يتجاوز الـ 5% من قيمة إنفاق أياً من المرشحين الأول والثاني، وتلك الشعبية الجارفة التي في إزدياد مستمر بفضل تعامله الجيد مع الموقف الراهن على صعيد المصلحة لن يقف أمامها أحد سوى السيسي الذي بات واضحاً جلياً أن ذكائه جعله ينأى بنفسه من مصير جميع رؤساء مصر السابقين وأنه سيقف حائلاً ضد ترشح أي حالم قادم من خلفية عسكرية وبات هذا واضحاً عندما تراجع سريعاً سامي عنان عن تصريحاته في مؤتمر شعبي بأنه ينتوي الترشح في الإنتخابات المقبلة، كما أن هناك مرشحاً على دكة الإحتياطي سيستدعى حال أن قرر أحد العسكريين القدامى الترشح.. ليكون واجبه تفتيت الأصوات.
إبن يوليو مولداً وفكراً .. في المجمل يبدو رئيساً جيداً في سياق العدالة الإنتقالية والإجتماعية التي قامت من أجلها ثورة يناير العظيمة .. لكن في سياق أخر متصل لن يكون سوى أداة في يد هؤلاء الذين يديرون الدولة في الخفاء حيث أن من يصعد على أكتاف البسطاء وبمباركة وإرادة الفريق واللواء لن يكون سوى هذا النوع المسكن من الدواء لألام وطن كان حكامه هم أقوى إبتلاء.