«أنت إلى حِلْمه إذا أطعته أحوجُ منك إلى حِلْمه إذا عصيته»، من الحكم الجليلة والعجيبة لابن عطاءالله السكندرى، فالطاعة تحتاج إلى الإخلاص، والإخلاص ليس سهلاً، فالإخلاص سر من أسرار الله يضعه فى قلب من يرضى من عباده، فإذا وضع رب العباد قضية الإخلاص فى قلبه يحدث له ثلاثة أشياء، وأولها أنه يترقى من مُخلِص إلى مُخلَص، وإذا ترقى من مُخلِص إلى مُخلَص فالشيطان لا يقترب منه، وذلك توضحه الآية الكريمة «فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين»، الأمر الثالث أن الإنسان المُخلِص والمُخلَص لا يرى عمله أبداً، فكل ما يعمله من خير يرفع من أمامه حتى يظن دائماً أنه مقصر فيستمر فى اجتهاده للوصول إلى رضا الله، فالعبد الذى استنار بنور الله هو ذلك العبد الذى يظن دائماً أنه مقصر فى عبادته، فيروى عن عمر بن الخطاب أنه قال: «لو نادى منادٍ يوم القيامة، وقال كل الناس يدخلون الجنة إلا رجلاً واحداً لخشيت أنه أنا». فهذا هو العبد المخلص الذى استنار بنور الله وعرف مقام ربه، ونحن نحتاج فى عملنا للطاعات لحلم الله تعالى علينا لقبولها، ففى الطاعة يعتمد الإنسان على عمله، وعمل الإنسان منقوص دائماً وغير كامل، أما فى المعصية فيعتمد الإنسان على فضل الله عز وجل، وفضل الله كبير. ويقول الله عز وجل فى كتابه العزيز «قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا».. فالإنسان خير له أن يبيت مذنباً باكياً من أن يبيت قائماً معجباً.. فهناك نوع من الغرور وهو نوع غريب جداً، وهو أن يغتر الإنسان بعبادته فتعتريه شهوة حب الظهور والكبرياء فيضيع ما قام به من عبادة.. فالمعصية التى تخلّف لدى الإنسان ذلاً وانكساراً خير من الطاعة التى تورث عزاً واستكباراً، فالإنسان حينما يتوب إلى الله ويستشعر الذنب الذى قام به ويستغفره يبدل الله سيئاته حسنات، والعبد حينما يقترب من ربه يعرف ما هو مقام الله، فيخاف مقام ربه، فالخوف يحرق ما عنده من رجاء، ويجب أن يجدد الإنسان نيته فى كل عمل يقوم به؛ أن يكون ابتغاء مرضاة الله، فاللهم تقبل منا أعمالنا واهدنا لما تحبه وترضاه.
الحِلْم
مقالات -