تناول مقال الأسبوع الماضى مسألة تحالفات قوى التغيير التى تكون عادة قبل الإطاحة بأى سلطة عبارة عن تحالف يضم كل من هم ضد السلطة القائمة، ثم سرعان ما يجب أن تتغير التحالفات بعد نجاح التحالف الأول فى الإطاحة بالسلطة القائمة، لتشكل تحالفًا جديدًا يضم من ينتمون لنفس الأفكار والبرامج التى تساهم فى بناء النظام الجديد، للتحول من معركة إزاحة سلطة لمعركة تأسيس نظام، فتحالف إسقاط سلطة جماعة الإخوان، الذى تشكل على الأرض نتيجة أداء جماعة الإخوان فى السلطة قبل 30 يونيو، انتهى بسقوطهم فى 3 يوليو، وآن الأوان لقوى التغيير الديمقراطى فى مصر لبناء تحالفها الجديد الذى يبنى وطنًا طالما حلمنا وبشرنا بقيامه.
ومن نافل القول إن الوضع السياسى والاقتصادى فى مصر الآن من السيولة التى تُصعب عملية بناء تحالف طويل الأمد واضح المعالم على برنامج متكامل يضم القوى والأحزاب والنقابات والمواطنين الحالمين بوطن ديمقراطى عادل قائم على أسس دولة القانون، وعلى القوى الديمقراطية أن تبدأ فى بناء تحالفات مرحلية قادرة على الانتقال من وضع دولة دون عقد اجتماعى مازالت تدار مؤسساتها بنفس آليات إدارة السلطة السابقة والأسبق إلى وضع أكثر استقرارا يدير خلافاته إلى السلطة وفيها عن طريق قواعد ومؤسسات الدولة الديمقراطية.
فى هذا السياق تأتى أهمية بناء كيانات تحالفية تخوض معارك على الأرض، مثل المجموعات الرافضة للمحاكمات العسكرية للمدنيين، وضمان حرية تكوين الأحزاب والنقابات المستقلة عن أيدى أى سلطة قادمة، وفتح المجال للممارسة السياسية للشباب فى الجامعات وأماكن تواجدهم الطبيعية، ومعارك الحدين الأدنى والأقصى للأجور وربط الأجور بالأسعار، وقواعد انتخابية تضمن تمثيلا حقيقيا للقوى الوطنية الديمقراطية فى إدارة شؤون البلاد، وقواعد محاسبة ومراقبة المسؤولين وضمان الشفافية فى كل مؤسسات الدولة، وحرية الفكر والتعبير.
وبالتالى على القوى الديمقراطية أن تستبعد مؤقتًا فكرة بناء تحالف قائم على برنامج متكامل، وعليها أن تعمل خلال تلك الفترة على بناء تحالفات مختلفة على أساس معارك صغيرة فى مواقع مختلفة، تنجح فى إحراز تقدم فيها، وبتجميع تلك النجاحات الصغيرة فى تلك التحالفات علينا أن نضع نصب أعيننا أنها تغير الصورة الكاملة للواقع بفتح المجال السياسى والاجتماعى، وهو ما يسهل بناء تحالف أكثر ثباتًا فى المستقبل ينجح فى تغيير النظام بشكل كامل من خلال مجال سياسى مفتوح وآليات ومؤسسات ديمقراطية أكثر فاعلية، وبناء مؤسسات ومنابر إعلامية مستقلة بشكل حقيقى وكامل، بعيدا عن تأثير النظام أو المال السياسى.
تلك المعارك التى نراها صغيرة اليوم ولا تلبى طموحات قوى التغيير هى ضمانة لفتح المجال السياسى بشكل ديمقراطى يمهد لإمكانيات التغيير الكامل الذى يحلم به المصريون من خلال مؤسسات ديمقراطية لها حرية الحركة والتعبير عن آمال أعضائها من المواطنين المصريين.
فبعد نجاح موجتين من ثورة يناير فى إسقاط سلطتين خلال أقل من ثلاثة أعوام، دخل المجال السياسى قطاعات لم تجد من يمثلها سابقًا، مثل الشباب والمرأة والأقباط وغيرهم، وأصبحوا جزءا من المجال العام، وإذا لم تجد هذه القطاعات من يعبر عنها من خلال مؤسسات ديمقراطية تتمتع بحرية فى الحركة، لا يمكن الحديث عن استقرار يؤدى لتنمية البلاد، فقوى التغيير اشتد عودها، حتى لو لم تصبح بعد قادرة على الوصول للسلطة إلا أنها قادرة على تغيير المعادلة بمجملها كما فعلت خلال ثلاثة أعوام، ويتحقق انتصارها لصالح وطن أكثر ديمقراطية وعدالة من خلال مؤسسات ديمقراطية تمارس التغيير المؤسسى القائم على قدرتها على الحشد الديمقراطى، أو من خلال استمرار المعارك الواسعة التى قد تهدأ لكنها لن تنتهى، فقد خرجت تلك القطاعات منذ ٢٥ يناير ٢٠١١ وليس أمامها بدائل سوى أن تنتصر أو تنتصر.
التعديلات التى قدمتها لجنة العشرة جاءت مخيبة للظن.. و تشكيل «الخمسين» الحالى لا يضمن لنا الدستور الذى ننتظره