فى كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال الرئيس الأمريكى باراك أوباما إن «محمد مرسى انتخب ديمقراطيا ولكنه لم يلبِّ مطالب المصريين» وأضاف أن الحكومة المصرية المؤقتة تحاول ذلك، وفى نفس الوقت شدد على أن الحكومة المؤقتة فرضت حالة الطوارئ وتقوم بعمليات توقيف بحق قوى المعارضة. تحليل كلمات أوباما التى خص بها مصر فى كلمته تشير بوضوح إلى أن واشنطن تواصل سياستها التقليدية التى تقر بالأمر الواقع بعد استقراره، وفى نفس الوقت تعمل على الضغط بما لديها من أوراق لتحقيق ما تريد من أهداف تجاه النظام الجديد. تحليل خطاب أوباما الذى يقول إن مرسى نعم كان رئيسا مدنيا منتخبا بطريقة ديمقراطية، ولكن القضية ليست مجرد انتخابات، فليس معنى أن تنتخب ديمقراطيا أن يكون لديك تفويض لتفعل ما تشاء، بل لا بد أن تحظى برضا الناخبين، فالانتخابات لا تعنى دائما تفويضا مفتوحا طوال المدة الرئاسية، بل تعنى أن التفويض مشروط بحسن الأداء وخدمة مصالح البلاد وتحقيق الحد الأدنى المقبول على الأقل من رضا المواطنين.
وتاريخ الدول والشعوب يحفل بتجارب جرى فيها انتخاب رؤساء بطريقة ديمقراطية، ثم أطاحوا لاحقا بالتجربة وتحولوا إلى حكام مستبدين، ومنهم من انتخب ديمقراطيا وأدخل العالم فى حرب كونية مثل هتلر الذى تسبب فى مقتل قرابة الخمسين مليون إنسان فى الحرب العالمية الثانية التى أشعلها عام ١٩٣٩. كانت واشنطن تقول طوال الوقت إن محمد مرسى رئيس منتخب بطريقة ديمقراطية وكانت تبرر له كل ما يفعل، ولم تقم بإدانة أى من تصرفاته المجافية للديمقراطية ولا علقت بكلمة واحدة على جرائم جماعته والجماعات القريبة منها والحليفة لها، كل ذلك لأن واشنطن أبرمت صفة مع الجماعة مؤداها مساعدة الجماعة على الوصول إلى السلطة فى مصر ودول الجوار مقابل التعهد بعدم المساس بأمن إسرائيل ورعاية المصالح الأمريكية فى المنطقة.
لم تعلق واشنطن على انتهاكات مرسى للدستور، لم تدن إعلانه الدستورى الذى حصن فيه قراراته ووضع فيه نفيه فوق جميع السلطات، بل كانت إدارة أوباما توفر الأجواء المناسبة لمرسى والجماعة، وقد تمثل ذلك فى ضبط ردود الفعل الأوروبية التى سارت خلف السياسة الأمريكية تماما. وعندما تحرك الشعب المصرى ضد مرسى وبدأ فى تسيير المظاهرات، لم تعلق واشنطن إطلاقا، فقد كانت الرؤية الأمريكية بأن مرسى والجماعة سوف يخرجون منتصرين ولا بد من منحهم الفرصة للقيام بكل ما هو لازم للسيطرة على الشارع وضبط المعارضة وهو ما تطلب اتباع حكمة القرود الثلاثة (لا أسمع، لا أرى، لا أتكلم).
وواصلت السفيرة الأمريكية فى القاهرة فى ذلك آن باترسون جهودها فى دعم الجماعة ورفاقها، شجعتهم على الحشد ومواجهة احتجاجات القوى المدنية بدرجة عالية من العنف. كانت واشنطن تراهن على قدرة الجماعة على تجاوز الموقف، وكانت تقديرات السفيرة الأمريكية طوال الوقت تقول إن الجماعة قادرة على السيطرة على الأوضاع فى مصر.
تصاعدت حدة الغضب فى الشارع المصرى وظهرت حركة تمرد وخرجت مظاهرات الثلاثين من يونيو وجاء بيان الثالث من يوليو الذى أزاح مرسى من السلطة، فجن جنون واشنطن التى وجدت نفسها فى موقف صعب ما بين دعم جماعة أبرمت معها صفقة مغرية وبين إرادة شعبية جارفة تعبر عن أبرز صور ومعانى الديمقراطية، ولأن المحرك الرئيسى لواشنطن هو المصلحة ولا شىء غير المصلحة، فقد التزمت بدعم مرسى والجماعة بكل ما تملك من أوراق ودفعت بحلفائها كى يأتوا إلى القاهرة حاملين رسائل تهديد للقوات المسلحة المصرية بإعلان ما جرى انقلابا عسكريا، ووقف المساعدات وتعليق المعونات. جربت واشطن كل ما لديها من أوراق ضغط ونقلت ما فيه الكفاية. رسائل تهديد للنظام الانتقالى فى مصر كى يقبل بحلول وسط مع الجماعة تكون كفيلة بإعادتها إلى قلب الأحداث من جديد، وعندما أيقنت واشنطن أن الشعب المصرى طوى صفحة مرسى وأن القضاء المصرى قرر حل الجماعة والجمعية ومصادرة أموالها، تجلت البراجماتية الأمريكية المتوقعة فى كلمة أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة والتى تعنى أن واشنطن طوت صفحة الجماعة (مؤقتا) وقررت التعامل مع النظام القائم فى مصر كأمر واقع، وهكذا يكون الشعب المصرى وجيشه قد نجح فى كسر إرادة واشنطن وإجبارها على الرضوخ لما يريد والتسليم بما جرى، وهو ما يؤكد قدرة الشعوب على فرض إرادتها وأخذ مصيرها بيدها فى حال وضوح الرؤية من ناحية وتماسك مؤسسات الدولة من ناحية ثانية.