(وخال كل من اللواء منير ثابت والسيدة سوزان ثابت) السطر السابق جزء من نَعْى منشور بـ«الأهرام» يوم الأحد الماضى لفقيد من آل ثابت، لم يذكر فيه أن السيدة سوزان هى زوجة محمد حسنى مبارك رئيس جمهورية مصر الأسبق، سبحان مغير الأحوال، الرجل الذى كان كل من يمت له بصلة ولو بعيدة يحاول فى أى مناسبة أن يلصق اسمه به، يتم الآن تجاهله تماما، والسيدة التى كان اسمها منذ سنوات -باعتبارها السيدة الأولى- يتصدر النعى، مهما كانت الصلة، جاء مكانها هذه المرة قرب نهايته، وليس مقرونا كما جرت العادة باسم زوجها، وبالطبع خلت الصفحة من المعزين الذين كانوا ينتهزون مثل هذه الفرص لإبداء الحزن والتعاطف والولاء. لا أدرى ما الذى دفع الأسرة لهذا التجاهل؟ هل احتراما له وحتى لا يذكر اسمه مقرونا بوصف الأسبق فى مناسبة خاصة بعائلة زوجته التى كانت تفخر بهذه المصاهرة، أم اتقاء لما ظنوه وجع دماغ، وعملا بالمثل الشعبى (الباب اللى يجيلك منه الريح سده واستريح)؟ وربما كان ما حدث بطلب من مبارك وزوجته نفسيهما، لقد تكررت مثل هذه الواقعة بشكل أفدح بعد ثورة يناير بأشهر قليلة، حيث لم يذكر اسم السيدة سوزان نفسها فى نعى ابنة عمها، وهو العم الذى تولى رعايتها بعد وفاة والدها، فى هذا الوقت فسر البعض ما حدث بأن الثورة كانت فى بدايتها وعنفوانها، والجو مشحون بالغضب ضد الرئيس المخلوع، والاتهامات الموجهة إليه بقتل الثوار ساخنة، والكلام حول الأموال المهربة والتى يمتلكها هو وأسرته تزداد، والحكايات عن رغبة السيدة الأولى فى توريث الحكم لابنها، ودورها فى اختيار بعض الوزراء تروى فى كل المجالس، ولهذا فإن الكثيرين كانوا يفضلون الابتعاد عن هذه الأسرة بخطوات، أما الآن فقد أعيدت محاكمة مبارك بعد نقض الحكم ضده فى قضية قتل الثوار، وحتى الآن لم يثبت عليه تهم بالفساد المالى، بل إن البعض يتزايد ويصفه بالزعيم الوطنى، رغم كل ما فعله بالوطن، فلماذا تتجاهل أسرة زوجته اسمه وكأنه غير موجود؟، رغم أن هناك قطاعات من المصريين الآن تتعاطف مع مبارك، بسبب أخطاء الإخوان الفادحة والتى أسهمت فى تقليل حدة الغضب على الرئيس الأسبق.
وجود السيدة سوزان فى النعى الأخير بعد تجاهلها فى النعى الأول، وإقصاء مبارك من النعيين يثير علامات الدهشة، نعم الأمر خاص بالأسرة وهى حرة فى ما تفعل، ولكن كل ما يمس رئيسا مصريا حتى ولو تم عزله بثورة شعبية يهم الرأى العام، خصوصا وأن كثيرين يعرفون تشابك العلاقات فى المجتمع المصرى من خلال صفحات الوفيات، والبعض يدرس من خلالها علاقات المصاهرة بين المال والسياسة، وصعود عائلات جديدة إلى قمة المجتمع وخفوت الأضواء عن أخرى، ومن هنا فإن قراءتها ليست تسالى، والتساؤل عما تحتويه ليس تطفلا، ولا يفتقد الكياسة، ولكن أعتقد أن العبرة فى درس النعى الذى خلا من اسم الرئيس المخلوع، هى أن الانحياز إلى المواطنين البسطاء الذين يشكلون غالبية المجتمع يحمى المسؤولين من نوائب الزمان، ويعصم أسرته من الشماتة بعد الابتعاد عن المنصب، ويجنبه الاستهانة به بعد العز، لقد أحاط الرئيس الأسبق نفسه فى سنوات حكمه الأخيرة بمجموعة صغيرة تحكمت فى مقاليد البلد، وأبعدته عن الجماهير، ودفعته إلى مشروع التوريث لكى تستمر هى فى الحكم وتحافظ على مصالحها، وأدى ذلك إلى مزيد من الخطايا السياسية، على رأسها تزوير الانتخابات، وانهيار كل الخدمات فى قطاعات عديدة، على رأسها التعليم والصحة، وتجريف المجتمع المصرى من الكوادر فى كل المجالات، بل إن التحسن الاقتصادى وزيادة النمو الذى حدث فى عصره لم يصبّ فى صالح البسطاء، ولم يشعر به إلا رجال الأعمال. وهكذا أدى عزل مبارك عن شعبه إلى ثورة يناير التى عزلته وأطاحت به من منصبه. نفس الأمر تكرر مع الرئيس المعزول محمد مرسى الذى أحاطت به جماعته فكانت قراراته لصالح أهله وعشيرته وارتكب بسبب ذلك العديد من الجرائم فى حق الشعب، حتى إنه أصبح متهما بالخيانة، ولعل مصير الاثنين، السابق والأسبق، عبرة لمن يحكم الآن ولو مؤقتا، وأيضا لمن سيجىء بعده، وعليه أن يعرف أن قراراته وأفعاله يجب أن تكون لصالح الفقراء والبسطاء وعوام الناس، حتى لا يجد نفسه مطرودا من قلب الشعب، و لا مكان له حتى فى نعى أقاربه.