تلقيت اتصالاً، ثم خطاباً، من الدكتور جلال سعيد، محافظ العاصمة، تعقيباً على ما كنت قد كتبته فى هذا المكان يوم الخميس الماضية منبهاً الرجل، ومعه الدكتور على عبدالرحمن، محافظ الجيزة، إلى أنهما لا يجوز أن يأتيهما نوم، بينما هذا هو حال القاهرة بمعناها الواسع الذى يضم معها الجيزة فيما يضم.
قال الدكتور جلال فى اتصاله ثم فى خطابه إننى لم أكن أبالغ حين قلت، ما معناه، إنه فى الغالب لا ينام وهو يرى واقع عاصمته على ما يراه، فهو، كما يقول، لا ينام فعلاً، وإذا حدث وغافله النوم، فإن هم القاهرة يصاحبه فى نومه، كما يلازمه فى يقظته.
وكنت فيما كتبت أبكى، مع غيرى، حال القاهرة التى كانت عروساً ذات يوم، وكنا نباهى بها سائر العواصم من حولنا، فإذا بها اليوم وعلى امتداد سنوات مضت كما تراها بعينيك!
ولابد أن كل واحد فينا لا يريد أن تكون قاهرتنا مثل باريس أو روما أو لندن، رغم أنها كانت فى وقت من الأوقات تتفوق على الثلاث، جمالاً، ونظافة، وانضباطاً، لكننا نريدها مثل الرياض أو تونس العاصمة، أو الرباط، التى تظل كل واحدة منها مرآة لبلدها حين تذهب إليه.
ونحن نصدق الدكتور جلال عندما يقول إن القاهرة سوف تكون بعد شهر من اليوم غيرها الآن، لكن يجب، ونحن نصدقه، أن ندعمه، وأن يتعامل كل مواطن منا مع شوارعها كأنها بيته تماماً بمعنى أنك إذا كنت تستحى أن تلقى ورقة على أرض منزلك فيتعين عليك أن تتصرف على النحو نفسه، حين تكون فى الشارع، وألا تتصرف فى بيتك بطريقة ثم تفعل عكسها فى خارجه!
وقد فهمت من المحافظ أنه يعمل فى ثلاثة اتجاهات فى وقت واحد: إزالة المخلفات المتراكمة على النواصى وفى الميادين وقد أزال منها حتى الآن مائة ألف طن، أما الاتجاه الثانى فهو محو آثار المظاهرات والاعتصامات، وأخيراً ضبط عناصر عملية النظافة اليومية فى الشوارع.
وقد تمنيت لو أن الدكتور جلال سمى الأشياء بأسمائها وقال بالتالى وهو يتكلم عن الاتجاه الثانى إنه يعمل على محو القبح الذى يخلفه الإخوان فى كل مكان يعتصمون أو يتظاهرون فيه.. إذ إن نظرة عابرة إلى الجدران المشوهة بالعبارات الساقطة، والأرصفة المهدمة، والأشجار المحطمة، تقول لك إن هؤلاء «إخوان» حقاً، لكنهم قطعاً ليسوا «مسلمين».. إننى لا أقولها رغبة فى تكفير أحد، فالله وحده هو من يعلم المسلم من غير المسلم، لكنى فقط أشير إلى أن ما نراه فى شوارع القاهرة، وعلى جدرانها، يستحيل أن يكون سلوكاً صادراً عن إنسان مسلم.
بقى أن أقول إن الدكتور جلال يشير فى خطابه إلى أن هناك رجوعاً تدريجياً لنظام جمع المخلفات المنزلى، وهو ما أرجوه أن يفعله، لأننا كنا معه، أنظف منا الآن، بشرط أن يضع له قواعد حديدية تضبطه.