أتمنى أن تعود شريهان مجددًا للساحة الفنية، ولكنى فى نفس الوقت أرى أن كل ما نشرته الصحافة مؤخرًا مجرد أمنيات مشتركة بين الجمهور وشريهان، تركيبتها الشخصية ستحول دون تحقيق تلك الأمنية، والدليل أننا على مدى عامين نقرأ نفس الخبر، شريهان تستعد لبطولة مسلسل «دموع السندريلا»، شريهان فى جلسات عمل مشتركة مع المؤلف، شريهان ستلحق برمضان، وبعدها نقرأ أنها تنتظر رمضان القادم، والقادم يظل دائمًا قادمًا.
هى صحيح لم تعلن اعتزالها رسميًّا، لكنها لم تشارك فى أى عمل فنى منذ 14 عامًا، آخر فيلم سينمائى لعبت بطولته للمخرج الراحل أشرف فهمى، وعُرض فى مهرجان الإسكندرية السينمائى «العشق والدم»، وحصلت شريهان على جائزة أفضل ممثلة، ولم تحضر حيث كان المرض قد تمكّن منها، وأرسلت كلمة للمهرجان تعتذر وترجو الدعاء، وظلت منذ ذلك الحين دعوات الناس تحوطها واستلم الجائزة زوج شقيقتها فى تلك السنوات المخرج كريم ضياء الدين.
الفنان الذى ينسحب فى هدوء دون صخب هو حالة خاصة، مَن لم يعلن انسحابه رسميًّا يظل دائمًا يتطلّع للعودة، وكلما طال زمن الغياب وازدادت المسافة وهو لا يمارس الفن يتبدّل موقعه من لاعب إلى متفرّج، ورغم ذلك لا يهدأ بداخله الإحساس بأن هذا ليس هو المشهد الأخير، هناك نداء يعلو صوته أحيانًا باقتراب الأمل.. نجلاء فتحى على سبيل المثال لم تعلن أبدًا انسحابها وكثيرًا ما يتردّد اسمها فى مشروعات فنية ثم تعتذر عنها.. نادية لطفى سبقت نجلاء فى اختيار أسلوب الانسحاب الهادئ وهو ما يزيد من ترقّب الجمهور للفنان العائد بعد غياب، إلا أن الناس تنتظر أن تراه كما شاهدوه قبل الاختفاء.
هل نحن نحب الفنان كما هو الآن، أم أننا نرنو لاستعادة الصورة الذهنية التى رسمناها له وتراكمت، ملامح الفنان تتغيّر من عمل فنى إلى آخر، يكبر الفنان أمام أعين الجماهير، ولهذا يتقبّلون ببساطة بصمة الزمن، لأنهم أيضًا يلاحظون على وجوههم صدى لتلك البصمات، ولكن لو اتسعت مساحة الغياب يصبح الأمر أشد صعوبة، الناس تتشبث بالملامح الأخيرة كما كانت فى عيونهم، يحتفظون بلقطة ثابتة ولا يرحّبون فى العادة بتغيير هم لم يكونوا شهودًا عليه.
تظل شريهان حالة استثنائية على خريطة الفن، فهى فى جيلها تمتعت بثلاث مميزات، الأولى أنها تملك موهبة الاستعراض، وكانت فوازير شريهان التى قدمتها مع المخرج الراحل فهمى عبد الحميد، فى التليفزيون، واحدة من رصيدنا الاستعراضى الذى نعيش عليه حتى الآن، والميزة الثانية أنها نجمة شباك، كثير من الأفلام والمسرحيات صنعت من أجلها وحققت إيرادات ضخمة، فهى لديها قدرة على الجذب الجماهيرى لم تحقّقه أى فنانة من جيلها، والثالثة الأداء الكوميدى، فهى عندما تشارك فى السينما مع كوميديان مثل عادل إمام فى «خلى بالك من عقلك» لا تصبح مجرد نجمة حسناء سنيدة، ولكنها تقف موازية له بخفة ظل وحضور، وهكذا شاهدناها أيضًا على المسرح مع العملاقين فؤاد المهندس «سك على بناتك»، وفريد شوقى «شارع محمد على».
شريهان تستحق التكريم رغم قصر المرحلة الزمنية التى كانت فيها داخل البؤرة، بدأتها وهى طفلة فى عام 75 حتى احتجابها عام 2000، أى أننا نتحدث عن ربع قرن من العطاء الفنى، فهل يتنبّه مهرجان القاهرة السينمائى الدولى فى دورته القادمة؟
فى الأعوام الأخيرة، اكتشفت وجهًا مميزًا لم أكن أعرفه عن شريهان، ولا أتصوّر أن القراء يعرفونه، فهى تملك حِسًّا أدبيًّا ولديها مفردات خاصة بها، عندما ألمت محنة المرض بالمسرحى الكبير سمير خفاجة، قبل بضع سنوات كتبت لى رسالة تشع حبًّا لهذا الرجل بصياغة رائعة، استأذنتها فى النشر كما يقضى العرف الصحفى لأن هناك دائمًا مساحة بين الخاص والعام، هى كتبت الرسالة ليس باعتبارى صحفيًّا ولكن هى تريد أن تكتب مشاعرها، ولكنها رفضت أن أنشر، قالت لى إنها كتبتها فقط لكى أقرأها، واحترمت رغبتها رغم أنى لم أقتنع.
هل تعود شريهان للاستوديو؟ ظنّى أنها لن تعود، هل هى غادرت قطار الفن نهائيًّا؟ أبدًا، لا يزال الفن يسكنها، ولكنها لن تعود، صدقونى أتمنى مخلصًا أن يخيب ظنّى.