اقرؤوا معى وجه المجرمة «سمية شنن» الذى فرض نفسه إعلاميًّا وأفزعنا بعد اقتحام كرداسة. سمية هى أحدث زعيمة للإجرام الوحشى بعد رَيَّا وسكينة، مَثَّلت بيديها بجثة نائب مأمور قسم كرداسة فى يوم الانتقام من الشرطة. الإخوان حماة الدين عذَّبوا وأهانوا وسحلوا وقتلوا رجال الشرطة ثم ذبحوهم، وقبل حرق القسم منحوا سمية شنن متعة الانتقام فمثَّلت بجثة المأمور.. تأملوا صورة تعبير وجهها وهى رهن التحقيق..إنها أقرب لصورة الضحية! هذا ليس دفاعا عن قاتلة اشتركت فى جريمة تلعنها كل الأديان السماوية.. لكنه بحث عن الأسباب تجنبا للنتائج الأفظع القادمة. طالما نتغابى عن حقيقة وواقع أن المرأة المصرية المفعول بها كل القهر والظلم تغيرت بعد الثورة وشقَّت نقاب الخوف والتستر لتعلن غضبها وتنتقم بيديها.
بالصدفة كنت مدعوَّة لحضور ورشة عمل تنظمها مؤسسة «غير مذنب» للرعاية الأسرية، ورسالتها علاج ضحايا التحرش أو الاغتصاب من الشعور بالذنب. وهى مؤسسة أهلية تناضل لإيقاظ المجتمع وتحذيره من كارثة نتائج الإيذاء الجنسى للأطفال على المجتمع، وخرجت بمعلومة مرعبة وهى أن العنف والإيذاء الوحشى للذات وللغير -بدنيًّا ونفسيًّا- هو إحدى نتائج التحرش الجنسى والاغتصاب خصوصا فى الطفولة. وأكدت الدراسات أن الاعتداء الجنسى تجربة مريرة تدمِّر نفسية الطفل ولا يمحوها الزمن ولا يشفَى منها إلا بالعلاج النفسى الطويل، هذا إذا أدرك الضحية ما أصابه وطلب العلاج. والطفل يحتاج إلى أسرة تواجه ما أصابه بوعى وحسم وشجاعة لأن الضحية غير مذنب. لكن المؤسف أننا ما زلنا مجتمعًا منافقًا يتعامى ويتغابَى ليتجمل تجنبا للفضيحة وهروبا من المسؤولية، وبالتحديد الوالدان والمدرسة هما المسؤول الأول عن حماية الطفل، وبذلك هما شركاء فى جريمة تحويل الطفل الضحية إلى مجرم أو مريض نفسى، يعيش فى صراع ما بين الانطواء خجلًا أو الانتقام للتخلص من عبء الظلم. والمخيف أن طفلا من كل ستة فى مصر تعرضوا لهذه التجربة، وطفلة من كل أربع للإناث، وأن ضحية من كل ثمانٍ يتحول فورا إلى متحرش لا يرحم وهو طفل.
أرى وجه سمية شنن الحزين يبوح بمعاناة أفقدتها الوعى وتعاليم الدين فتحولت لوحش وجد فرصة الانتقام، ربما انتقام من سلطة تخاذلت عن الدفاع عنها فى محنة، أو تسببت فى أذى ابن أو عزيز عليها، وربما تعرضت لتحرش جنسى من فرد مسؤول عن حمايتها قانونا فأفرغت غضبها فى أكبر مسؤول فى القسم لأنه لم يحمها أو ينتقم لها.. كل الأسباب أو غيرها واردة.
أنا لا أدافع عن مجرمة شاركت فى جريمة كرداسة الوحشية الصادمة لتقاليد مجتمعنا لكنى أضىء كشاف نور قويا على جريمة التحرش الجنسى التى غالبا هى السبب، والتى ننكرها رغم شيوعها فى البيوت والحضانة والمدارس بمختلف طبقاتها الاجتماعية، وسببها هو إهمال وعدم وعى الأم والأب والمسؤول عن الحضانة والمدرسة بمؤشرات وقوع الجريمة، ثم فساد تعاملهم مع المجرم ومع الضحية بعدها، فالأم إذا تجرأت وأفصحت عن حالة تحرش يُقصَى طفلها الضحية لتجنب التشويش على سمعة الحضانة أو المدرسة، والمدرس الذى يثبت بالتحقيق أنه تحرش بتلميذ يتم نقله لمدرسة أخرى بدلا من منعه من التدريس ومن التعامل مع أطفال نهائيا ومحاكمته بجريمة القتل المعنوى لطفل.
أكرر أننى لا أدافع عن سمية شنن إنما أعتبر جريمتها الصادمة إنذارا للمجتمع بأن انتظروا تكرارها بمزيد من الوحشية طالما تتغابون. وأطالب بدستور جديد وقوانين صريحة تجرم التحرش بالأطفال وتحديد حقوقهم على الوالدين والمدرسة، ويجرِّم التقصير فى توعية وحماية الطفل لتكون لمحاضر الشرطة قيمة وفاعلية ورهبة.. وأطالب وزارة التربية والتعليم بفحص نفسى ومهنى لكل من يتعامل مباشرة مع الطفل إدارةً وتدريسًا.. وبعقد دورات إجبارية ومتكررة لتوعية تلاميذ الابتدائى عن جريمة التحرش ومعناها وأساليبها وكيفية مقاومة المتحرش وحتمية الإبلاغ حتى لو كان العم أو الخال أو الأب أو المدرس. يجب تدريب الطفل على فضح المتحرش، والصراخ بكلمة «لا» والهروب بمجرد إحساسه بالخطر قبل أن يحفظ نشيد الصباح. للمتحرش مواصفات وللضحية علامات تنذر بها مؤسسة «غير مذنب» فى عمل مهم ومتكامل يقوده بحماس خبراء دوليون... يا وزير التربية والتعليم أصدر قرارا فوريا يلزم المدارس بالتوعية العلمية ضد التحرش، وأجبرهم على تقديم شهادة تدريب رسمية ودورية من هؤلاء المتخصصين المتطوعين، وابدأ ثورة التعليم.