فجأة.. أصبح أنصار الدولة المدنية الذين ناضلوا طوال عمرهم من أجل وطن لكل أبنائه هم المتهمين بتقسيم مصر والتفرقة بين أبنائها، والدليل ليس «قالوا له» كما جاء فى مسرحية عادل إمام «شاهد ماشافش حاجة».. لكن الدليل هذه المرة هو أغنية على الحجار «إحنا شعب.. وانتو شعب»!!
وقد قلنا قبل ذلك إن الأصح كان أن يقول مطلع الأغنية «إحنا شعب.. وأنتم عصابة».. ومع هذا فالكلام الخايب الذى يقوله البعض لا يصح فيه إلا المثل الشعبى «اللى فيها.. تجيبه فيك»!! فهؤلاء الأفاضل يتناسون من قام بعد شهرين فقط من ثورة يناير لكى يحول الاستفتاء على الإعلان الدستورى إلى معركة بين الكفر والإيمان فى «غزوة الصناديق» المشهورة!!
وهؤلاء الأفاضل يتناسون من حوّل الانتخابات بعد ذلك إلى قتال بين الإسلام وخصومه!! ومن حول انتخاب المعزول مرسى إلى خطوة على طريق الخلافة الإسلامية!! ومن طالب الأقباط بأن يقبلوا القهر ويدفعوا الجزية أو يذهبوا إلى أمريكا وكندا!!
وهؤلاء الأفاضل يتناسون كيف وقف المعزول مرسى فى آخر أيامه بين أنصاره من جنرالات الإرهاب يسمع التهديدات بقتل المواطنين والدعاء بهلاك الكفار من العلمانيين والديمقراطيين واليساريين وكل من لا ينتمى لتحالف الإرهاب، وبينما الناس لا تصدق ما ترى من إسفاف وبلطجة كانت أمارات السعادة على وجه المعزول تقول بوضوح إن الحالة ميؤوس منها!!
وينسى هؤلاء الأفاضل أيضًا كيف وقف جنرالات الإرهاب على منصة رابعة يعلنون الحرب على شعب مصر، ويقولون بكل وقاحة إن «قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار» (!!) ولم نسمع يومها من الذين جرحت مشاعرهم كلمات أغنية كلمة واحدة تقول لتحالف الإرهاب بقيادة الإخوان: عيب!!
ثم ينسى هؤلاء الأفاضل أنهم لم يحاولوا فقط تقسيم شعب مصر إلى «فسطاطين» كما يقولون، بل امتدت جرائمهم إلى تقسيم مصر نفسها. فلم تكن الملايين التى خرجت فى 30 يونيو لتسقط الحكم الفاشى هى التى عرضت التنازل عن «حلايب وشلاتين»!! ولم يكن أنصار الدولة المدنية هم الذين أفرجوا عن القتلة وفتحوا أبواب سيناء أمام عصابات الإرهاب، ومهدوا الطريق لضياع هذا الجزء العزيز من أرض مصر!! من فعل ذلك هم من حكموا مصر بمنطق «طظ فى مصر»، فاستباحوا كل شىء، وتنازلوا عن أى شىء مقابل أن يظلوا فى الحكم، وأن يستبدوا بالشعب، وأن يحيلوا مصر إلى «قندهار» جديدة تسر خاطر الإرهابيين، وتعود بالمصريين إلى ظلام القرون الوسطى!!
ويتناسى هؤلاء الأفاضل أيضًا كيف يتسولون التدخل الأجنبى، وكيف وقفوا على منصات الفتنة يطلبون «التكبير» لأن البوارج الأمريكية جاءت -كما يتوهمون- لنصرتهم!! وكأن أمريكا «فاعل خير» يدخل الدول للحفاظ على وحدتها وتأمين أهلها واستقرار أوضاعها، لا للتدمير والتخريب والتقسيم كما حدث فى العراق الشقيق الذى كان «الإخوان» هناك أول من رحب باحتلال أمريكا لوطنهم!!
ربما ضعفت الذاكرة عند البعض بفعل السنين، وربما غامت الرؤية بفعل الانحياز، وربما ضاع التوازن بفعل الصدمة.. لكن هذا كله لا يبرر هذا «الاستعباط» المكشوف الذى يقلب الحقائق لكى يبرئ جماعات الإرهاب بقيادة الإخوان من كل جرائمها فى حق الوطن، ولكى يعلن عن اكتشافه المذهل (!!) بأن شعب مصر هو الذى يتآمر لتقسيمها وإلقائها فى نيران العنف والفوضى.. والدليل «قالوا له» كما جاء فى «شاهد ماشافش حاجة»، أو أغنية على الحجار كما يفسرها «شاهد شاف كل حاجة» ولكنه لا يرى إلا ما يراه أهل الفتنة وأعداء الوطن والحياة!!