الذين يعتقدون أن الإخوان ينفذون مخططاً أمريكياً جرى إعداده للمنطقة قبل عقد من الزمان، هم مخطئون بكل المقاييس، فكثير مما يثار حول علاقة الإخوان بالأمريكان بعضه صحيح، والبعض الآخر مبالغ فيه، ولكن الصحيح من هذه العلاقة كفيل بوضعهم فى قوائم الخونة والعملاء والمارقين! قبل وصول الإخوان إلى حكم مصر بشهرين، وتحديداً فى أوائل إبريل من العام الماضى، فجرت جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية «الحرية والعدالة» مفاجأة، عندما أعلنت عن سفر وفد من أعضائها إلى واشنطن للقاء مسؤولين أمريكيين فى البيت الأبيض.
من بين عشرات التصريحات والتعليقات حول الزيارة.. قالت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية: إن الوفد الذى يزور واشنطن، يهدف إلى محاولة «تحسين» صورة الجماعة أمام الإدارة الأمريكية وإبرازها على أنها حركة معتدلة ذات وعى اجتماعى.
«الرسائل التطمينية» التى حملها الوفد «الإخوانى»، تلخصت فى الحفاظ على موقف مصر تجاه السياسة الخارجية الأمريكية.. وتماسك معاهدة السلام مع إسرائيل.. قدر الإمكان..! هذا هو الجانب المعلن من المخطط للرأى العام، والذى ساهمت وسائل الإعلام الإمريكية فى الترويج له على أنه مجرد «رسائل تطمينية» يحملها تنظيم إسلامى «متطرف» عرف على مدار تاريخه بأنه تنظيم دموى، وخرجت من عباءته معظم التنظيمات المسلحة لجماعات الإسلام السياسى على مدى أكثر من خمسة عقود ماضية. ما إن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية فى البحث عن موطئ قدم لها فى المنطقة، واعتمدت الاستراتيجية الأمريكية على شقين الأول اقتصادى بالبحث عن البترول ومالكيه، والثانى سياسى يهدف إلى فتح قنوات اتصال بالجماعات القائمة على أساس دينى، التى يمكنها مقاومة الشيوعية، على اعتبار أن الدين «أفيون الشعوب»!
فى صيف عام 1947، أرسل سكرتير السفارة الأمريكية بالقاهرة فيليب إيرلاند مبعوثاً إلى الشيخ حسن البنا بمقر المركز العام للإخوان المسلمين بالحلمية يطلب لقاءه.. اندهش المرشد العام من الطلب فى البداية، ولكنه وافق على الفور، وطلب من المبعوث أن يكون اللقاء بعيداً عن المقر العام للجماعة، لأنه مراقب من «البوليس السياسى».. خاصة أن المرشد – وفقاً لرواية الدكتور محمود عساف مؤسس جهاز معلومات الإخوان – «يرى أن البعض سوف يؤولون تلك المقابلة ويفسرونها تفسيراً مغلوطاً ليس فى صالح الاخوان»! حمل المبعوث رد المرشد إلى سكرتير السفارة الأمريكية، الذى تفهم الوضع جيداً، وطلب أن يكون اللقاء فى بيته بحى الزمالك على النيل! وفى الموعد مساء إحدى ليالى الصيف – لم تحدد أى من الروايات التاريخ – حضر الشيخ البنا إلى بيت سكرتير السفارة، ومعه اثنان من أقرب معاونيه الدكتور محمود عساف ومحمد الحلوجى ويعمل مترجماً فورياً..دخل الثلاثة إلى بيت سكرتير السفارة الذى استقبلهم استقبالاً حاراً، وكانت المفاجأة هى حديثه المطلق باللغة العربية، مما جعل المترجم يجلس «مجرد مستمع»!
دخل «إيرلاند» فى الموضوع مباشرة، وقال «إن موقفكم من الشيوعية واضح ومعروف لنا.. ولقد عبرتم كثيراً عن أن الشيوعى الحاد يجب محاربته».. واستطرد إيرلاند: « لقد طلبت مقابلتكم حيث خطرت لى فكرة وهى لماذا لايتم التعاون بيننا.. أنتم برجالكم ومعلوماتكم.. ونحن بأموالنا»!..
الذين مازالوا يتساءلون عن أسباب دفاع أمريكا المستميت عن الإخوان المسلمين..عليهم التكرم بإعادة قراءة هذا المقال مرة أخرى..!