«كلنا فاسدون».. كتب تلك المرافعة التى أداها الفنان الراحل أحمد زكى فى فيلم «ضد الحكومة» الكاتب وجيه أبو ذكرى ومعه السيناريست بشير الديك، وأخرجه عاطف الطيب، ويطيب لى أن استخدمها الآن بعد مرور ما يزيد على 20 عاما على عرض هذا الفيلم، ولكن هذه المرة ليس فى حادثة قتل 20 طفلا مصريا بل فى تغريب وتدمير جيل بأكمله، نما وبدأ عوده يشتد فى زمن الثورة، حيث صار نيل الحق حقًّا.
لكن ما يحدث فنيا فى مصر ينذر بجريمة سنتحملها جميعا منتجون وفنانون، أولياء أمور وحكام، فمن خلال مجموعة من الأفلام الرديئة التى تطرح قيما تشبه صناعها، ومن خلال أغانٍ أشد رداءة يتلقى أطفالنا الفنون، فى ظل غياب كامل لمنظومة التعليم التى جاءت فى الترتيب الأخير عالميا.
كنا جيلا قرأ فى طفولته المكتبة الخضراء ثم أعمال نبيل فاروق وأحمد خالد توفيق -حتى وإن سخر منهما كبيرا- لكنها تركت بداخله انتماءً ما، وانتقل منها للفضاء الرَّحب للأدب العربى على يد عمالقة الكلاسيكية محفوظ وأدريس، ثم ما تلاهما مثل صنع الله وأصلان وإبراهيم عبد المجيد. شاهد أفلام عاطف الطيب ومحمد خان وداوود عبد السيد ومسلسلات أسامة أنور عكاشة، كان لديه «بوجى وطمطم» و«بكار».
سمع محمد منير حين كان لديه مشروع بفضل مجدى نجيب وعبد الرحيم منصور وأحمد منيب، وحميد الشاعرى حين كان ينقل الموسيقى العربية لعصر جديد، وكان أحمد عدوية بكل ثقله الفنى مع ما يدّعىه البعض من هبوطه.
جيل تمتع بالثراء الثقافى المتنوع حين كان الفساد ما زال يكافِح للظهور على سطح الأرض، جيل لما يعانى من الغربة الثقافية.
وبما أن غربة الطفل تعنى انهيار الوطن، لا يجد أطفالنا الآن ما يعبر عنهم فنيا، يلجؤون لقنوات تدبلج حلقات أجنبية ذات قيم ومبادئ لا تناسبنا، يتعلمون منها ما يتعلمون فى ظل غياب كامل للمدرسة وجزئى للأسرة، ثم يتحولون عنها فى مرحلة ما لأفلام تشبه ما يعرض الآن، والتى يرتادها ما بين الثانية عشرة والتاسعة عشر عاما، وهكذا.. دائرة لا تنتهى من العجز والإهمال والتردى.
يحقق فيلم هابط يروج للانحراف والابتذال منذ أعوام أرقاما قياسية، ويكسر آخر أرقاما أخرى -يتناول البلطجة- هذا العام. تطرح فنانة -ظننا فيها خيرا- مثل دنيا سمير غانم أغنية من ألبومها الجديد لتهدم أعواما من النضال النسائى، تزلزل مجهودا بذله بعض الآباء والأمهات فى تربية بناتهم وخلق شخصياتهن المستقلة، يشاهد «كليبها» على «يوتيوب» مليون شخص خلال 5 أيام، فى جريمة جديدة تمتهن فيها المرأة نفسها.
يدافعون عن موسيقى المهرجانات بكل القبح الذى تروجه، لأن الاعتياد سناج الحياة اللعين ومن يقاومه لا يصيبه إلا السواد.
تتحدث مسلسلاتنا عن العنف والجنس والدعارة ولا يجد طفلنا من يحدثه عن الحق والخير والطهارة.
«كلنا فاسدون، لا استثنى أحدا» يبدو أنها الحقيقة، فإما أن نفيق ونعمل على خلق بيئة صالحة للجيل القادم عبر سينما وموسيقى وتعليم حقيقى، ووقت يخصصه الآباء والأمهات لأطفالهم بعيدا عن شاشات التليفزيونات والكمبيوترات والموبيلات وإما على هذه الأمة السلام.