«التفكير العلمى» هو طريقة فى النظر إلى الأمور تعتمد على العقل والبرهان. خلاصتها الآية الكريمة: «قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين». والإنسان الذى يفكر بطريقة علمية لا يقبل شيئا على علّاته ما لم يكن عليه دليل. هو ذلك الذى يندهش من تلك القابلية العجيبة للتصديق فى مجتمعنا.
فلنعترف جميعا أننا تلقينا تعليما سيئا لم يحاول قط أن يغرس فينا روح التفكير النقدى، فصارت لدينا «قابلية للتصديق» يوشك أن يتساوى فيها العامّى مع أستاذ الجامعة. ولقد شاهدنا من قبل من يصدق أن هناك طالبا اخترع محركا يعمل بالماء، وطبيبا اكتشف علاجا للسرطان والإيدز والروماتيد ويبيعه فى عيادته بثمن باهظ، ورائد فضاء سمع الأذان فوق القمر، وعشرات من الخرافات التى صدقها للأسف كثير من المتعلمين.
والسبب أننا لم نتشرب مبادئ «التفكير العلمى» منذ طفولتنا، رغم أنه كان ينبغى أن تُدرّس فى جميع المراحل الدراسية باستمرار مع ضرب الأمثلة المتنوعة حتى تتحول إلى طبيعة ثانية فينا.
ولا شك عندى أن عدم الاهتمام بتدريس مبادئ «التفكير العلمى» هو قرار سياسى مقصود! لأن الشعوب التى لا تُدقّق فيما تسمعه وتصدق بسهولة ما يُراد لها أن تصدقه، هى بلا شك أسهل انقيادا من الشعوب الواعية التى تخضع كل شىء للنقد والتدقيق.
أقول هذه المقدمة بمناسبة تدوينة قرأتها لمن يُدعى «الشيخ أبوالإيمان» (لاحظ تجهيل الشخصية فنحن لا نعرف له اسما ولا فصلا) يقول: «لا يجوز للمرأة أن تمشى مع اتجاه الريح فقد يُفتن من يمشى خلفها، ويجب أن تنبطح عند مرور الهواء أو أن تُكمل سيرها زحفاً فذلك درءُ لمفسدةٍ عظيمة».
المدهش أن هناك من صدّق هذه التدوينة. بالنسبة لى، فإننى بمجرد قراءتى للتدوينة لم آخذها على محمل الجد، لأن عقلى النقدى أنبأنى بأنه من المستحيل أن يقول شيخ مثل هذا الكلام، مهما كان متشددا. واضح تماما أن كاتب التدوينة يسخر ويستظرف.
والعجيب أن رأيى لم ينل القبول، ووجدت إصرارا من البعض على تصديق باقى التدوينات وهى من طراز: «كنتُ مسافرا فى إحدى الطائرات فحصل خلل بمحركاتها وكادت تسقط، فقرأتُ المعوذات ثم نفثت عليها ثلاثاً فإذا بجناحى الطائرة يرفرفا كالطير وهبطنا بسلام!»، وأيضا: «كنتُ نائماً فأيقظتنى زوجتى تقول إنها تسمع همساً بالغرفة، فضحكتُ وأخبرتها أنه صوت نملة وهى تُسبّح فى لحيتى، فبكت بحرّقة، ثم ضربتها وخلدت للنوم!!». وهناك أيضا: «كنت أمشى بجوار حائط مدرسة دينية أبحث عن المدخل فلم أجده، فرششت ماء مقروءا عليه ثم نفثت ثلاثاً فانشق الحائط وعبرتُ، فبكى طلبة العلم من هول المشهد».
ويقول أيضا: «لحية وحجاب وقبر ونقاب، بهذا المنهج التربوى للأطفال سنغرس الفضيلة فى عقولهم الوردية، وبهم ستزدهر الأمة وسنحيا كِراماً!!».
والآن هل يصدق عاقل أن كاتب هذه التدوينات يعنى ما يقول أم أنه واضح تماما أنه يسخر من أصحاب الفهم المتحجر للدين باستخدام أسلوب المبالغة؟! الذى أزعجنى ودفعنى إلى كتابة هذا المقال أن تغيب روح التفكير النقدى، فنصدق ما لا يمكن تصديقه، لمجرد عداوتنا لتيار الإسلام السياسى أو ضيقنا من السلفيين المتشددين، مع أنهم اقترفوا من الخطايا الحقيقية ما لا يجعلنا بحاجة إلى تصديق ما لا يُصدق! إذ تكفى أفعالهم وأقوالهم الحقيقية للتحذير من هذا الفهم للدين دون اختلاق ما لم يحدث.