رغم تصريحات رئيس الوزراء بعدم إمكانية زيادة الحد الأدنى للأجور، فلقد أصدرت الحكومة قرارا بزيادة الحد الأدنى للأجور إلى 1200 جنيه، اعتباراً من يناير المقبل، وقد تعددت التفاسير عن سبب تغيُّر موقف الحكومة، ولكن الأكثر أهمية دراسة هذا القرار وإمكانية تطبيقه ومن سينتفع به، وفى اعتقادى أن هذا القرار به العديد من الألغام التى يمكن أن تنسف هذا القرار وتجعله غير قابل للتنفيذ، ومن هذه الألغام:
1- أن هذا الحد الأدنى لا يُحسب على أساس الراتب بل على الدخل الشامل، وقد يكون هذا صحيحا من الناحية الاقتصادية لأن المطلوب هو حساب الدخل وليس الأجر لأن هيكل الأجور فى مصر يعانى من الفوضى، بحيث تمثل الأجور المتغيرة معظم الدخل، وبالتالى فلابد من إدخالها فى الحساب عند تحديد الأجر، وعند التطبيق لن يستفيد من هذا الحد الأدنى إلا نسبة صغيرة من العاملين فى الحكومة، كما ستظهر الاختلافات حول ما يتم حسابه فى هذا الدخل الشامل.. فهل تحسب الأرباح وبدلات طبيعة العمل والدخول من الصناديق الخاصة فى هذا الحساب؟ وكلما استبعدت بعض الجهات عناصر من الدخول المتغيرة كلما ارتفعت تكلفة تمويل هذا الحد الأدنى، كما سيظهر مدى قوة كل جهة فيما تقوم باستبعاده من الحساب، ما يؤدى إلى مزيد من الفوضى، ويؤدى إلى صعوبة التطبيق.
2- من المعروف أن الحد الأدنى للأجر يُحدد لأصحاب المهارات البسيطة، ثم يزداد هذا الحد لأصحاب الشهادات الجامعية، وهو ما لم توضحه الحكومة، وهو ما يتطلب منها تحديدا لما يحصل عليه الموظف الجديد من حملة المؤهلات الجامعية، وإذا لم تضف مبلغا لهذا الحد الأدنى سيكون ذلك لغما آخر يفجر هذا القرار.
3- من الطبيعى أن يكون هناك تدرج فى الرواتب بعد هذا التحديد للحد الأدنى، لأنه من غير المعقول أن يتساوى فى الأجر موظف يتم تعيينه بعد هذا التحديد وموظف آخر يحصل على ذات الأجر بعد عديد من سنوات الخدمة، ولكن تصريحات وزير القوى العاملة تقول عكس ذلك، حيث يطلب من الموظفين القدامى تقبل عدم زيادة رواتبهم نظرا للظروف الحالية، وبالطبع لن يقبل أحد من الموظفين القدامى ذلك، وهو ما يضع عقبة كبيرة أمام إمكانية تنفيذ هذا القرار.
4 - هل سيتم تطبيق هذا الحد الأدنى على المؤقتين، الذين يحصلون على أجورهم من الصناديق الخاصة، وهل إذا تم ذلك، ستستطيع الحكومة الحصول على نسبة 10% التى تقتطعها شهريا من إيرادات الصناديق الخاصة، بل من المتوقع أن تعانى هذه الصناديق من عجز بعد هذه الزيادات فمن يسدد هذا العجز؟ هل الحكومة غير قادرة بل تريد الحصول على جزء من إيرادات الصناديق الخاصة أم سيؤدى ذلك إلى زيادة الرسوم التى تحصِّلها هذه الصناديق من المواطنين ما يزيد من الأعباء على المواطنين؟
5- ومن الألغام التى يمكن أن تنسف هذا القرار، هل سيطبق هذا القرار على أصحاب المعاشات، حيث لا يمكن استبعادهم بحجة الانتظار لتحسن الأحوال، فلهم عند الحكومة المليارات التى استولت عليها، كما أن أعمارهم وظروفهم لا تسمح برفاهية الانتظار، ونفس الأمر بالنسبة لمعاش الضمان الاجتماعى، حيث ستكون تكلفة الزيادة كبيرة، لا تقوى عليها الحكومة، وفى نفس الوقت لا يمكن تجاهل هذه الفئات الأكثر فقرا والتى من المفترض أن الحد الأدنى يكون لصالحها؟
6- قرار الحد الأدنى سيطبق على موظفى الحكومة وقطاع الأعمال العام، وهناك شركات خاسرة، وتقوم الحكومة بتوفير الأجور شهريا عن طريق الاقتراض مثلما تفعل مع شركة المحلة، فمن أين ستوفر الحكومة الزيادات المطلوبة؟ وهل من الأفضل توفير سيولة لدفع الرواتب أم توفير مستلزمات الإنتاج للخروج من الخسارة لتوفير زيادة من الإيرادات تستخدم فى توفير الرواتب؟
7- النقابات العمالية، خاصة النقابات المستقلة، أعلنت رفضها هذا الحد الأدنى، بل وصفته بـ«الكمين» الذى وضعته الحكومة للعمال، فهل ستستطيع الحكومة التغلب على هذه المعارضة أم خوفا من الاضطرابات العمالية وحتى لا يستغل الإخوان هذه المشكلة لإثارة المزيد من المشاكل ستجد الحكومة نفسها فى مأزق لن تستطيع الخروج منه ولن يفيدها تأخير التنفيذ إلى يناير؟
هذه بعض من الألغام التى تختبئ فى تفسير هذا القرار، ولن تستطيع الحكومة التغلب عليها ما يؤدى إلى المزيد من القلاقل، فيكون المخرج استقالة الحكومة لتأتى حكومة جديدة تبدأ فى الدراسة لتعمل على إرضاء كل الغاضبين ما يؤجل التنفيذ للمزيد من الدراسة. ولا عزاء للفقراء.
* أستاذ الاقتصاد – جامعة السادات