لا شك أن ما نحن فيه الآن من أزمة داخلية وعالمية هو نتيجة سياسة الرئيس محمد مرسى فى فترة حكمه، لأن كلنا يعلم أنه كان بإمكان محمد مرسى تجنب كل ذلك ببعض الإجراءات البسيطة، التى لم تكن تكلفه وحزبه الكثير، فلا يمارى أحد أن حكومته الأخيرة كانت حكومة ضعيفة الأداء، وقد ضاق الجميع بأدائها، وكانت مطالب المعارضة فى بداية الأمر لا تخرج عن تغيير الحكومة، وكان من السهل اليسير الاستجابة لهذا المطلب، الذى كان فى يده، وكان فى صالح الوطن، لأنه كان السبيل إلى الخروج من بعض الأزمات، التى كنا نعانى منها، إلا أن محمد مرسى رفض ذلك بحجة أن الاستجابة لهذا الطلب ستفتح شهية المعارضة لطلبات أخرى لا تنتهى، واستمر العناد حتى تصاعدت الطلبات إلى المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة، وهنا أصبحت الاستجابة صعبة، لتعلقها بمستقبل رئيس لم يكمل عامه الأول فى الحكم، خاصة أن الأمل فى إمكان فوزه وعودته مرة أخرى إلى كرسى الرئاسة كان قد بدأ يضعف، وطالبنا الرئيس محمد مرسى بالاستجابة مؤقتاً لطلب تغيير الحكومة لعله يهدئ من الأزمة، التى كانت قد بدأت تستحكم والحشد، الذى بدأت الدعوة له، واستمر الحشد، واستمر العناد حتى وصلت الأمور إلى ما نحن فيه الآن، ولو أن محمد مرسى خرج علينا يوم 30 /6 بقرار دعوة الناخبين إلى انتخابات رئاسية مبكرة حدد لها موعداً، أو حتى إلى دعوة الناخبين للاستفتاء على بقائه لما حدث ما حدث الآن حتى ولو كانت النتيجة خروجه من السلطة، لأنه كانت ستحسب له الاستجابة لطلب الشعب، وخروجه خروجاً مشرفاً، ولكن العناد أوصله، وأوصل البلد إلى ما نحن فيه الآن، مما نبحث جميعاً عن مخرج له يعيد البلاد إلى طبيعتها، حتى تضع قدمها على أول طريق الإصلاح والتنمية الذى يشتاق إليه الشعب.
لا أحب تسمية الأمور بغير مسمياتها أو وصفها بما ليس فيها، كتسمية حركة الضباط فى 1952 ثورة، لأن الشعب انضم إليها، لأن مسماها الحقيقى انقلاب، وكذلك تسمية 30 /6 ثورة تسمية على غير مسمى حقيقى بل انقلاب، ولو أن الفريق السيسى ورفاقه لم يقوموا بعزل مرسى لأمكن بقاؤه حتى الآن، ولا يمكن تشبيه ما حدث فى 30 /6 بما حدث فى ثورة 25 يناير لفارق بسيط هو أن حسنى مبارك فى الحقيقة كان مغتصباً للسلطة أتى إليها عن طريق استفتاءات، وانتخابات كانت مزورة بشهادة الجميع فى الداخل والخارج، أما محمد مرسى فقد جاء إلى سدة الحكم عن طريق انتخابات يشهد الجميع فى الداخل والخارج أنها سليمة، ومن هنا يصعب خلعه إلا عن طريق انتخابات مماثلة، وهذا ما صعب الموقف على حكومة ما بعد عزل مرسى فى الداخل والخارج، يضاف إلى ذلك أنه فى ثورة 25 يناير كان الشعب كله كتلة واحدة ضد النظام، أما فى 30 /6 فإن الشعب جزء كبير منه ضد الانقلاب، ومن هنا كان ما يحدث اليوم من عدم استقرار يقود البلد إلى أزمة اقتصادية واجتماعية حقيقية تتفاقم يوماً بعد يوم، وقد قلنا منذ وقوع هذه الأزمة إن المخرج منها يكون باستفتاء الشعب على ما حدث، ولكن لم يستجب أحد إلى ذلك، واستمرت محاولة القضاء على الأزمة، وعلى الإخوان المسلمين بالقوة، وهى محاولة قلنا إنه سبقتها محاولات عدة فشلت فى ذلك، ويعتقد الكثيرون أن مصير هذه المحاولات الحالية هو الفشل أيضاً، لأن القضاء على الفكر لا يكون إلا بفكر آخر يغير الفكر الأول، أما القضاء على الفكر بالقوة، فإنه يزيد أتباع هذا الفكر تمسكاً به.
تطبيق سياسة دمج الإخوان فى الحياة السياسية يستتبع أمرين أولهما فى يد الحكومة، أو إن شئت الدقة المجلس العسكرى بقيادة الفريق أول السيسى، والثانى فى يد الإخوان المسلمين، خاصة الشباب منهم، وكما كنا فى عهد الرئيس مرسى نطالبه باتخاذ الخطوة الأولى باعتباره فى الحكم، وهو الأقوى، فنحن الآن نطالب الفريق أول السيسى باعتباره الحاكم الفعلى لمصر باتخاذ الخطوة الأولى، وهى محاولة التهدئة بمنع الملاحقات الأمنية لقادة الإخوان المسلمين، والأمر بالإفراج عن قياداتهم، التى لم توجه لها تهم جنائية، مثل سعد الكتاتنى، ومهدى عاكف، وأصدقائهما، مثل المهندس أبوالعلا ماضى وغيرهم، أما الآن فى ظل الظروف الحالية، فإن الإخوان يقولون كيف نتفاوض وقادتنا فى السجون أو ملاحقون لا يستطيعون الظهور؟ وهم فى ذلك على حق، أما من هو فى الخارج منهم فإنه يقول إنه غير مخول وحده فى اتخاذ قرار قد يعرضه للإحراج، لرفض بعض الجماعة تنفيذه، وأعتقد أن ذلك صحيح.
أيها المسؤولون عن مصر الآن الأمر ليس سهلا، والوقت ليس فى صالحنا جميعاً، وإنقاذ البلد مما هو فيه مطلب كل الشعب، وليعلم من يبدأ المصالحة أن رصيده لدى الشعب سيزيد، لأنه يعمل لصالحه، ومن أجله، وحذار من المكابرة والعناد، لأن مصيرهما معروف.
حمى الله مصر من كل سوء.